مقدمة الدليل

في المجتمعاتِ المتعثرة تنموياً، والتي غالبا ما تتسم بوجود أزمات في الحكم، وسيادة حكومات استبدادية تستند في بقائها وشرعيتها على مصادرة الإرادة الحرة للأفراد، وتضييق أي مساحة من شأنها أن تقوض ركائزها القمعية،

ولعل المجتمع المدني إحدى أهم هذه المساحات التي تحاول توسيع هامش الحريات للأفراد، وصيانة الحقوق المدنية، الامر الذي يترتب عليه ضغواطات سياسية ومجتمعية ترعاها السلطة، بل وتشرف عليها، بهدف تكييف المجتمع المدني بما يتناسب وفكرها، حتى يصبح أشبه بمساحة مدجنة تخدم أهدافها، ولو على حساب الحقوق والحريات الفردية. الأمر الذي يتطلب وعياً كافياً لدى ناشطي المجتمع المدني بأمرين أثنين الأول الدور المنوط بالمجتمع المدني في كونه مساحة لحماية الحقوق والحريات، والثاني هو الوعي بسعي السلطة ودأبها المستمر للهمينة والسيطرة على كافة المساحات الحرة في المجتمع.

تعد الضبابية التي تكتنف مفهوم وأدوار المجتمع المدني -بفعل تبعية المفهوم للزمان والمكان الذي يوجد بهما- من أهم العوامل التي تسهل على أي سلطة التأثير به وتطويعه لخدمة أجنداتها وإبعاده عن الدور الرئيسي الذي وجد من أجل، وتعد هذه إحدى الفرضيات التي بنى هذا الدليل عليها في محاولة للوصول بالقارئ إلى نقطة فهم للجوهر الرئيسي من وجود المجتمع المدني كمساحة وفاعلية في أي مجتمع، مهما اختلف شكل وطبيعة الدور والنشاط التي يقوم به.

للوصول إلى هذا الفهم؛ تألف الدليل من جزأين؛ يستعرض الأوّل منه تاريخَ تطوّرِ المفهومِ من الناحية النظريّة في أفكار منظريّ وفلاسفة من أسسوا له، مترافقةً مع استعراض ثوراتِ وحراكاتِ الشعوب التي أسهمت عملياً في تأطير المفهوم، عبر فرضِ نفسها كقوّةٍ فاعلةٍ في مواجهة هيمنةِ السلطة، ومطالبتها بتوسيع المشاركة والتمثيل العادل لها في الحكم. تكمنُ أهمّيةُ هذا الجزء في استعراض جوهر وروح المفهوم، كَون الفهم والتّشبّع بروح المفهوم هو الأساس المُوَجِّهُ لجميع الأعمال والأنشطة التي يقوم بها المجتمع المدنيّ في جميع قطاعاته. وفي نهاية هذا الجزء يستعرض الدليل أهمّ القضايا والأزمات التي تعاني منها في المجتمعات النامية، وبشكل خاص المجتمع المدني السوري الناشئ.
أمّا الجزء الثاني منه؛ فيتطرّق إلى المنظمات المدنيّة، الشكل المُنظم للمجتمع المدنيّ، ويناقش تاريخيّة نشأتها، وسماتها وركائزها، إلى جانب الأقسام الرئيسيّة فيها ودورِ كلّ قسمٍ وفائدته. بما يشكل فكرةً متكاملةً بالأحرف الأوّلى حولها.

وأخيراً؛ يمكن القول إن هذا الدليل يرسم صورة عامة عن أهم القضايا المتعلقة بالمجتمع المدني، ويحاول ألا يغوص في جزئيات القضايا الإشكالية، إذ إن الهدف الأساسي منه رسم إطار عام حول المفهوم، وفتح نقاش يهدف إلى تحفيز التفكير النقدي لدى القارئ حول أهم القضايا المتعلقة بالمجتمع المدني. كما تجدر الإشارة إلى أن هذا الدليل يرتبط بمكتبة إلكترونية توفرها منصة “روابط” التي تضم ما يقرب من ثمانمائة مرجع وكتاب بما يشبه بنك للمعرفة المدنية سهلة الوصول ومجانية التحصيل، تدعم جميعها القضايا والإشكاليات التي تم إيرادها في هذا الدليل وغيرها الكثير.