خامسًا: الحركة النسوية كنموذج للنضال المدني عبر التاريخ

تتنوع الأمثلة عن تراكم التجارب النضالية للمجتمع المدني على المستوى المحلي، وتجاوزها لتصبح قضايا نضال على المستوى العالمي، ليكون المجتمع المدني الحديث ما يشبه منصة عالمية تشاركية عابرة للأزمنة والأماكن، يتم من خلالها خلق القيم الإنسانية العالمية وتعميمها في المجتمعات الإنسانية. 

أبرز وأوضح نضال يمكن ذكره والتطرق إليه في هذا السياق؛ هو نضال الحركة النسوية. حيث أدى عدم الاعتراف بحقوق النساء عقب الثورة الفرنسية، إلى خلق مسار نضالي هادف لتحصيل حقوق المواطنة الكاملة للنساء والتي تمتع بها الرجال دونا عنهن. كان أول تجلياتها في الإعلان الذي صاغته الكاتبة المسرحية والناشطة الفرنسية (أوليمب دي غوج) تحت عنوان إعلان حقوق المرأة والمواطن في أوائل عام 1791، والذي جاء معترضا ومحاكياً لاعلان حقوق الانسان المواطن، وتم صياغة مادته الاولى “تولد المرأة حرة وتظل متساوية مع الرجل في الحقوق. ولا يجوز أن تقوم الفروق الاجتماعية إلا على المنفعة العامة[1]. ولعل هذه الاعلان كان من ضمن ارهاصات ما تم تسميته لاحقا الموجة الاولى للنسوية، التي عقدت أول مؤتمر لها في نيويورك عام 1848، وكان هنالك سعي للاعتراف بحق المرأة بالتصويت والانتخاب، الأمر الذي أدى إلى تتابع الاعتراف بالحقوق السياسية للمرأة في الدول تدريجياً. أما في الموجة النسوية الثانية مع مطلع الستينات، فقد تركز النضال على المساواة ومناهضة التمييز وتحرير المرأة من التنميط في أدوار هامشية. وفي مطلع التسعينات بدأت الموجة النسوية الثالثة لكن هذه المرة في إطار الاعتراف بحقوق المرأة دون أي نوع من أنواع التمييز سواءا كان على لون البشرة أو العرق أو الدين أو الطبقة الاجتماعية.


بفعل هذا الضغط والنضال المستمر والمتواصل تحولت المطالبات النسوية إلى جملة من القوانين والمبادئ على المستويين الوطني والعالمي، والتي أصبحت فيما بعد أهم مقاييس تحضر وتقدم الدول، خاصة بعد تبنيه من قبل الأمم المتحدة وتحويله لمسار عمل متكامل، حيث جاء في المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة في المقاصد: “تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء”. وفي العام الأول للأمم المتحدة، أنشأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجنة وضع المرأة، بصفتها الهيئة العالمية الرئيسية لصنع السياسات المتعلقة حصرا بتحقيق المساواة بين الجنسين والنهوض بالمرأة. وكان ومن أوائل أنجازاتها هو ضمان لغة محايدة بين الجنسين في مشروع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وعندما بدأت الحركة النسائية الدولية تكتسب زخما خلال السبعينات، أعلنت الجمعية العامة عام (1975) السنة الدولية للمرأة، ونظمت المؤتمر العالمي الأول المعني بالمرأة، الذي عقد في المكسيك. وفي وقت لاحق، أعلنت السنوات (1976-1985) بوصفها عقد الأمم المتحدة للمرأة، وأنشأت صندوق التبرعات للعقد.

في عام 1979، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، التي غالبا ما توصف بأنها الشرعة الدولية لحقوق المرأة. وتحدد الاتفاقية، في موادها الثلاثين، صراحة التمييز ضد المرأة وتضع برنامجا للعمل الوطني لإنهاء هذا التمييز. وتستهدف الاتفاقية الثقافة والتقاليد بوصفها قوى مؤثرة في تشكيل الأدوار بين الجنسين والعلاقات الأسرية، وهي أول معاهدة لحقوق الانسان التي تؤكد على الحقوق الإنجابية للمرأة. 

وبعد خمس سنوات من مؤتمر المكسيك، تم عقد المؤتمر العالمي الثاني المعني بالمرأة في كوبنهاغن في عام 1980. ودعا برنامج العمل الذي خرج به المؤتمر إلى اتخاذ تدابير وطنية أقوى لضمان ملكية المرأة على ممتلكاتها وسيطرتها عليه، فضلا عن إدخال تحسينات في مجال حقوق المرأة فيما يتعلق بالميراث وحضانة الأطفال وفقدان الجنسية.[2]

وفي عام 2000 تم اعتماد القرار 1325 حول المرأة والسلام والأمن بالإجماع من قبل مجلس الامن وتعد هذه المرة الأولى التي يقوم فيها مجلس الأمن بمواجهة التأثير غير المتناسب والفريد من نوعه للنزاعات المسلحة على المرأة، وكذلك اﻻعتراف بمدى تجاهل مساهمات المرأة في حل النزاعات وبناء السلام. حيث شدد القرار على أهمية مشاركة المرأة على قدم المساواة وبشكل كامل كعنصر فاعل في إحلال السلام والأمن. ويعد القرار 1325 هو قرار ملزم للأمم المتحدة وجميع الدول الأعضاء فيها، كما يشجع الدول الأعضاء على إعداد خطة عمل وطنية (NAP) خاصة بها لتفعيله على المستوى الوطنى.، ولعل أهم النقاط الرئيسية التي تمت صياغة القرار على أساسها هي (المشاركة، الحماية، والوقاية) للمرأة في النزاعات المسلحة.


يوضح العرض السابق واحد من الأمثلة العملية لنضالات المجتمع المدني، ويُبرز واحدة من أهم الأدوار المنوط به القيام بها في المجتمع، وهو النضال لأجل الحقوق والمطالبة بالمساوة، كما أنه يوضح أن النضال من اجل الحقوق هي قضية عالمية لا تقتصر على مجتمع دون أخر. 


[1]  stringfixer (د.ت.) إعلان حقوق المرأة والمواطنه.

[2] الامم المتحدة (د.ت.) المساواة بين الجنسين.

اترك تعليق

مشاركة الموضوع

خامسًا: الحركة النسوية كنموذج للنضال المدني عبر التاريخ

أو نسخ الرابط