أولًا: تعريف منظمات المجتمع المدني وتاريخيتها

يعتبر تأطير المجتمع المدنيّ بأشكال مُؤسسية؛ مُجاراةً للتطوّرات الحديثة الحاصلة في البنى الاقتصادية والتنظيميّة في العالم، إذ تعد المنظمات بمثابة الكيانَ الاعتباري الذي يَسُهل التعامل معه قانونيًا، وتنظيميًّا وماليًّا من قِبل الحكوماتِ والهيئاتِ والمنظماتِ الدولية المانحة. 

دَخلت تسميةُ المنظمات غير الحكوميّة حيز الاستخدام الفعلي مع الأمم المتحدة عام 1940 التي كانت أوّل من استخدمتها، وعَملت على تعميمها لاحقًا. إذ نظّمت المادتان (70 و71) العلاقة مع المنظمات غير الحكوميّة، فقد لحظت المادة (70) دورًا متقدمًا للوكالات المتخصصة دون إعطائها الحقّ في التصويت على المقترحات والقرارات. أمّا المادة (71) فأوجدت أُطرًا للتشاور ووضع الترتيبات، حيث غَدت المنظمات غير الحكوميّة شريكًا تقنيًّا في أنشطة الأمم المتحدة الدوليّة[1]. هذا بما يخص الوكالات الدولية التي أنشأتها الأمم المتحدة، لكنَ الأمر لم يقف عند هذا الحدّ وإنّما تَعدّاه إلى وجود منظمات لا تتبع للأمم المتحدة، وتعمل بشكل محليّ في جميع دول العالم تقريبًا. 


أَطلقت الأمم المتحدة تعريفها على المنظمات غير الحكوميّة بكونها “مجموعة مواطنين تطوعية غير هادفة للربح يتمّ تنظيمها على المستوى المحلي أو الوطني أو الدولي لمعالجة القضايا لدعم الصالح العام. تقوم المنظمات غير الحكومية الموجهة نحو المهام والمكونة من أشخاص لهم مصلحة مشتركة، بأداء مجموعة متنوعة من الخدمات والوظائف الإنسانية، وتقديم مخاوف المواطنين إلى الحكومات، ومراقبة تنفيذ السياسات والبرامج، وتشجيع مشاركة أصحاب المصلحة في المجتمع المدني على مستوى المجتمع”[2].


تزامن زيادة وتفعيل دور وعمل المنظمات غير الحكوميّة فعلياً؛ مع تطوّر منظور الأمم المتحدة لدورها وتدخلاتها في العالم؛ والتي بدأت كما اوردناه سابقاً على شكل منظماتٍ رعائيّةٍ وخدمية، إلى منظماتٍ تعمل على تحقيق توجهاتِ التنميّة المستدامة، ثم إلى منظماتٍ ساعيةٍ لتحقيق وتعزيز حقوق الإنسان ودفع عملية التغير الهيكلي في الدول المختلفة، وصولًا إلى منظماتٍ تسعى إلى تعزيز الحراك الاجتماعيّ وتعزيز قيمة رأس المال الاجتماعيّ عبر الحدود الجغرافية[3].  

حتى أصبحت أهمّية المنظمات غير الحكوميّة ككلّ -ليس فقط الدوليّة- في العصر الحالي، تَكمن في المُساهمة في تحسينِ إدارة الحكم؛ عبر تعزيز المُساءلة والشفافية في النظام السياسيّ. والإسهام في صياغة السياسات العامة، وحماية الحقوق، والتوفيق بين المصالح، وإيصال الخدماتِ الاجتماعية، وأصبحت المقاربة الجديدة للأمم المتحدة “لا يمكن مواجهة التحديات والتعقيدات اليوم ومعالجتها بدون شراكة بين الحكومات والقطاع الخاص المجتمع المدني والمواطنين على حد سواء”[4].


[1] أماني قنديل (2008) ص71.

[2]  Leverty, S. (2008). American Psychology Association. Retrieved from NGOs, the UN and APA.

[3] أماني قنديل (2008) ص76.

[4]  الأمم المتحدة (د.ت.) برنامج إدارة الحكم في الدول العربية.

اترك تعليق

مشاركة الموضوع

أولًا: تعريف منظمات المجتمع المدني وتاريخيتها

أو نسخ الرابط