ثالثًا: السمات الضرورية لمؤسسات المجتمع المدنيّ

تتميز منظمات المجتمع المدني عن غيرها من مؤسسات الاعمال الاخرى وفقاً لجملة من العناصر يشكل وجودها ركائز أساسية لتصنيفها ضمن حيز المجتمع المدني، وغياب أي واحدة منها ينبأ بوجود خلل سوف يؤثر حتماً على دورها ونشاطها بشكل أو بأخر، وقد يستبعدها من حيز القطاع المدني غير الحكوميّ، تتلخص هذه السمات بالآتي:

  • أن تكون غير حكوميّة، بمعنى لا صلة لها بالمؤسسات الحكوميّة، باستثناء حصولها على ترخيص منها. واكتسابها الشخصية القانونية، الذي يساعد المنظمة المدنيّة على الدخول في عقودٍ وإيجارات وغير ذلك من المعاملات القانونيّة، وبذلك هي تعد مسؤولة قانونيا عن التزاماتها التي تدخلها.[1] مع الإشارة إلى أن اكتسابُ الوضعية القانونيّة يجب ألّا يكون شرطًا مسبقًا لممارسة حقّ التعبير والتجمع السلميّ. 
  • أن تكون ذات هيكل رسميّ مؤسسيّ، وتتسم أنشطتها بالاستمرارية إلى حدٍّ كبير، وهذا يخرج الحراكات المدنيّة المطلبيّة، أو الأنشطة المؤقتة لأي تجمع مدني من ضمن دائرة المؤسسات المدنية، ولكن بالتأكيد لا يستبعدها من نطاق المجتمع المدنيّ بمفهومه الأوسع. وهنا لابد من الإشارة إلى أن حقيقة إمكانية تشكيل منظمة مدنية بوصفها كياناً قانونياً، لا يعني أن المطلوب من المواطنين تشكيل كيانات قانونية حتى يتمكنوا من ممارسة حريات التعبير والاجتماع والتجمع السلمي. بل على العكس من ذلك، إن معظم المنظمات المدنية هي في الحقيقة كيانات غير رسمية.[2] وأحيانا يشكل الترخيص القانوني عبء على ممارسة النشاط المدني في بعض الأماكن والأنظمة.
  • أن تكون غير ربحية، ولا تهدف للربح، وفي حال مارست المنظمات المدنيّة أنشطة اقتصاديّة أدرّت عليها أرباحًا، فهذه الأرباح تدخل ضمن مصادر التمويل الرئيسيّة للمنظمة وأنشطتها، ولا يتمّ توزيعها على العاملين أو الأعضاء داخل المنظمة. فعلى سبيل المثال؛ بعض المنظمات تقوم بتأجير قاعاتها لمؤسساتٍ أخرى، أو بتمويل\تشغيل مشروع اقتصاديّ كفرن آلي، أو مشروع زراعي، كلّ الإيرادات الواردة من هذه المشاريع تدخل في ميزانية المنظمةِ نفسها وفي خدمة أنشطة أخرى تمارسها المنظمة.
  • ألّا تتبع لأحزاب سياسيّة أو أن يكون لها تحالفات معها، وهنا يجب التمييز بين دور المنظمات السياساتي الذي يمارس السياسة في إطار حماية حقوق وحريات الأفراد، وبين العمل السياسي الحزبيّ الذي يمارس السياسة بهدف وصوله إلى السلطة.
  • غير دينيّة: بمعنى ألّا تأخذ دور التبشير لدينٍ ما، لأنّ الهدف الأساسي للمجتمع المدنيّ هو خدمة المجتمع بغض النظر عن الانتماءات الطبيعيّةِ المولودة للأفراد، فالأساس هو التعامل مع الأفراد على أساس مواطنيتهم وليس دينهم أو مذهبهم أو قوميتهم. 

    وفي هذا السياق تُناقش مسألة غاية في الأهمية، وهي المؤسسات التي تؤسسها عوائل أو عشائر أو أيّ بنًى تقليدية أخرى، وتدعمها لخدمةِ قضيةٍ محدّدةٍ في المجتمع، مثلًا جمعيّةٍ دينيّةٍ تدعم مرضى السرطان، أو منظمةٍ عائليّة تدعم مرضى التوحّد، في أيّ حيّزٍ يمكن تصنيف هذا النوع من المنظمات؟ هل تصنّف من ضمن المجتمع المدنيّ، أم يختلف تصنيفها؟ يمكن القول هذا النوع من المؤسسات يدخل ضمن المجتمع الأهليّ، أو أقرب إليه في حال كانت هذه الجمعيات تتوجه بخدماتها نحو المجتمع ككلّ بغضّ النظر عن الانتماء الطبيعيّ للفرد. وفي مثل هذا النوع من المؤسسات يكون العمل مفرّغًا من مضمونه السياسيّ التغييريّ، ويقتصر على تقديم الخدمات للفئة التي يعمل عليها؛ من غير التطلّع لأيّ تغيير بالبنية السياسيّة أو بالأنظمة والقوانين الناظمة لنفس القضيّة التي يعمل عليها على اقل تقدير، ولعلّ هذا النمط من الجمعيات أو المنظمات هو ما كان يتمّ الترويج له، ودعم وجوده من قبل الأنظمة السلطويّة، أي جمعياتٌ ومنظماتٌ مفرّغةٌ من مضمونها السياسيّ والنقديّ، وهو ما يمس جوهر الدور الذي يجب ان يضطلع به المجتمع المدني في أي مجتمع.

[1]  يون إي. آيريش، روبرت كوشين، كارلا دبليو. سايمون. (1997). دليل القوانين المؤثرة في منظمات المجتمع المدني. تم الاسترداد من دليل القوانين المؤثرة في منظمات المجتمع المدني، ص 26.

[2]  المرجع السابق.

اترك تعليق

مشاركة الموضوع

ثالثًا: السمات الضرورية لمؤسسات المجتمع المدنيّ

أو نسخ الرابط