الأقسام الإدارية التنفيذية للمنظمات المدنيّة:

يتبع بناء الخطة الاستراتيجيّة التي سبق ذكرها، مرحلة التخطيط التنفيذيّ الذي يُبنى بالضرورة على الخط العام المعتمد للمؤسسة، ووفقا لقيمها ورؤيتها. ويعدّ التخطيط التنفيذيّ هو المرحلة التي تحول المؤسسة أفكارها ورؤاها وطموحاتها، إلى توجهاتٍ فعليّة وأهدافَ محددة وبرامج عمل. أي هو وضع الخطة الاستراتيجيّة في سياقِ برنامجٍ زمنيٍّ وماليٍّ وإداريٍّ. يمثّل الشكل أدناه دورة حياة العمل في المنظمة، والذي يوضّح الخطة التسلسليّة لحياة المنظمة إلى جانب التشابكات في كلّ منها[1]:


يمكن التمييز وفقا لدورة حياة المنظمة، بين خمس أقسام أساسيّة داخل المنظمة، والتي تزيد وتنقص باختلاف طبيعة وحجم أنشطة المنظمة. وجود هذه الأقسام مرتبطة بوجود مصدر تمويلي للمشاريع، وتعد مخرجات كل قسم من هذه الأقسام؛ متطلّبات أساسية للحصول على التمويل، ولإثبات الشفافيّة والنزاهة أمام المانح بالدرجة الأولى، وأمام الجهات الحكوميّة الرسميّة ذات الصلة، وأما أعضاء المنظمة نفسها والمجتمع المستهدف. وهذه الاقسام هي: (التمويل، البرامج، الإدارة المالية، المتابعة والتقييم، الموارد البشرية، المناصرة، الأبحاث). 

أولًا: قسم التمويل:

 يعد التمويل؛ عملية تبادلية بين مانح ومتمول يريدان كلاهما إحداث فرقٍ إيجابيّ في المجتمع المستهدف. بمعنى أنها عمليّة تشاركيّة وحاجة متبادلة لدى الجهتين، فكما أنّ طالب التمويل يسعى جاهدًا للحصول على جهةٍ مانحةٍ؛ فإنّ الجهات المانحة[2] تبذل جهدًا ليس بالقليل لتمويل مشاريعَ قادرةٍ على إحداث تغيير إيجابيّ. 

يضطلع قسم التمويل داخل المنظمة في إيجاد فرص تمويليّة لبرامج وأنشطة المنظمة، وكتابة مقترحات المشاريع. إذ تتمّ عملية البحث عن التمويل عادةً من خلال التعرّف على الجهات المانحة (أهدافها استراتيجياتها، نوعية المشاريع التي تموّلها الجهة التابعة لها، شروط التمويل، حجم المبالغ المقدّمة، تواريخ التقديم للتمويل). هذا بالنسبة لمصادر التمويل من منظمات كبيرة أو حكومات، والامر ينطبق على مصادر التمويل من القطاع الخاص، ومن الأفراد في المجتمع.
ويُعتبر طلب التمويل؛ عمليةً استثماريّة -بالمعنى الرمزيّ للكلمة- بمعنى أنها تتعدّى لحظيّة التمويل الحالية، إلى بناء علاقةٍ طويلةِ الأمد مع الممولين؛ الأمر الذي يحتاج جهدًا ووقتًا ليس بالقليل بحيث يكون الهدف في النهاية النجاح في بناء شبكةٍ من الممولين تتألف بمعظمها من ممولينَ دائمين يقدمون منحًا صغيرةً على أُسسٍ ثابتةٍ ومستمرةٍ.[3]

معايير التمويل: عمومًا لا توجد طريقةٌ ثابتةٌ أو وصفةٌ سحريّةٌ لإقناع المانحين بتمويل المشروع المقدّم. لكن ما يساعد على ذلك هو التركيز على كتابةِ المشروعِ بطريقةٍ منطقيّةٍ لتقديمهِ بطريقةٍ مناسبة وإبداءِ قدرٍ من المرونة والابداع، إلى جانب مجموعةٍ من المحدداتِ والمعايير التي ينظرُ إليها المانح أثناء تقييمه للمنظماتِ التي يفكّرُ بتمويلها: 

  1. معايير إداريّة: مثل وجود وضعٍ قانونيٍّ للمنظمة[4]، امتلاكها لنظام داخليّ وسياسات وإجراءاتٍ وفقَ معايير محددةٍ غالبًا ما تكون تضمن درجةً عاليةً من الحوكمةِ.
  2. معايير فنيّة: والتي تتضمن مجال عمل المنظمة وخبرتها، المشاريع والأنشطة السابقة، مستوى الوصول على المستوى البشريّ والجغرافيّ للمجتمع.
  3. معايير ماليّة: تتمثّل في وجود سياساتٍ ماليّةٍ معتمدةٍ، وأيضًا وجود تقييم ماليّ من جهة خارجيّة للإجراءات المالية في المنظمة خلال المشاريع السابقة وهذه غالبًا ما تكون في المنظماتِ الكبيرةِ التي لديها مشاريع. 
  4. معايير أخرى: حيث تنظر الكثير من المنظمات إلى التوجّه السياسيّ للمنظمة إلى أيّ حدٍّ يتوافق مع توجّهها، حيث يسهّل هذا الأمرُ على المنظمات المانحة بناءَ العلاقةِ في حال كانت المبادئ الأساسيّة متشابهةً. إلى جانب معايير متعلقةٍ بالمكان والقطاع حيث غالبًا ما تكون سياسات التمويل موجّهة لدعم قطاعٍ ومكانٍ محددين، على سبيل المثال تقوم جهةٌ مانحةٌ بتقديم منحٍ تمويليّةٍ لقطاعِ التعليم في شمال غرب سورية، في هذا الإطار سوف تمنع الجهة المانحة المنظمة المُمولة صرف أموال المنحة خارج القطاع والمكان الذين تمّ تحديدهما كشرطٍ مسبقٍ لتلقي المنحة الماليّة، وهنا يطرح التساؤل الهام في كيفية إدارة المنظماتِ لهذه التحديات والتوفيق بين رؤيتها في القطاع والمكان الذي تعمل بها، وبين قيود وأجندات المانح، في إطار حاجتها للتمويل.

وبالنسبة للتمويلات القادمة من القطاع الخاص أو الأفراد، يكون هنالك جهد مبذول في إطار تنظيم حملات مناصرة تخاطب الجمهور المستهدف وتقنعه حول القضية المراد تمويلها. 


ثانيًا: قسم البرامج والمشاريع:

 يعد المشروع سلسلة نشاطاتٍ تسعى لتحقيق أهدافٍ معينةٍ، يتمّ تنفيذها خلال فترةٍ زمنيةٍ محددةٍ وضمن إطار موازنة معتمدة. بينما البرنامج هو إطارٌ يضمُّ داخلهُ مجموعةَ مشاريعٍ تعمل جميعها لتحقيق الهدف الذي أُنشأ من أجله البرنامج، على سبيل المثال برنامج حماية النساء المعنّفات في منظمة ما، قد يضمُّ داخله: (مشروع الإيواء، ومشروع الحماية القانونيّة، ومشروع التعافيّ النفسيّ، ومشروع التمكين والتأهيل) جميع هذه المشاريع تصبُّ في البرنامج الأكبر وهو حماية النساء. 

يمرُّ المشروع بدورةِ حياةٍ مؤلفةٍ من أربعةِ مراحلَ وهي (التخطيط، التحليل، التنفيذ، المتابعة والتقييم). ويوضّح الشكل التشابكات التي تبدأ منذ اللحظة الأوّلى للفكرة، فمثلا نجد التخطيط يسبق مرحلة التحليل في البداية، ولاحقا يسبق التنفيذ بعد الانتهاء من مرحلة التحليل. [5]


ثالثًا: قسم المتابعة والتقييم:

 المتابعة هي عملية منظّمةٌ ومخطّطةٌ ومستمرةٌ، تتمّ بصفة دوريّة على مدار عمر المشروع لجمع المعلومات عن المشروع من ناحيةِ ما تمّ إنجازه، وهل تمّ إنجازه بالوقت المحدد، بالإضافة للتحديات التي يواجهها تنفيذ الأنشطة؛ والغرض من ذلك المساعدة في اتخاذ القرارات المناسبة من قِبل إدارة المشروع. أمّا التقييم: فهو عمليةُ قياسِ مدى نجاح مشروعٍ أو برنامجٍ في الوصول للأهداف المخطط لها مسبقًا.

وكلاهما -التقييم والمتابعة- يستند في عمله إلى مؤشرات كميّة ونوعيّة محددةٍ بشكلٍ مسبقٍ في مقترح المشروع المقدّم للمانحِ، وتَستخدمُ في سبيل تحقيق ذلك جملةً من أدواتِ التحقّقِ المختلفة. والتقاريرِ الصادرة عن قسم المتابعة والتقييم تُطلبُ من قِبلِ الجهة المموّلة التي تُتابع من جهتها -وعبر قسم المتابعة والتقييم لديها- سير المشروع الذي تمّ تقديم المنحة المالية له. 

ويجدر التنويه إلى أن المتابعة والتقييم هي عملية لا تقتصر على المشروعات الممولة، إنما هي عملية اكبر من ذلك بكثير، فهي تعد واحدة من الأدوات التي يتم اللجوء إليها لمعرفة إلى أي حد المنظمة تسير في إطار الرؤية والأهداف التي تتبناها. حيث يعد من أهم الأدوات التي يستخدمها مجلس الأدارة والهيئة العامة في تقييمهم السنوي للمنظمة ككل. 


رابعًا: القسم المالي:

يختصّ بإدارة الموارد المالية للمنظمة والهدف تحقيق الفاعلية العظمى لأهداف المنظمة. وعلى الرغم من أن هدف منظمات المجتمع المدنيّ غيرُ ربحيّ؛ إلّا أنّ هذا لا يعني أنْ تكون مبذّرة أو غير فعّالة أو ألّا تسعى لتحقيق هدفها بالجودة المطلوبةِ بأقلِ التكاليفِ الممكنةِ؛ هذا الموضوع مهمٌّ لسببين: الأول هو صعوبةُ الحصولِ على التمويل بفعلِ المنافسة المتزايدة، حيث يُمنح التمويل للمنظمات الكُفء التي تستطيعُ أن تخدم عددًا أكبرَ من المستفيدين بنفس الموارد. والسبب الثاني داخليٌّ يتعلق بالإدارة والرقابة الداخليّة للمنظمة للتأكّد من حسنِ استخدام وصرف التمويل من قبل فريق العمل حتى في حالِ غياب الرقابة الخارجيّة.[6]

أمّا التدقيق المالي: فهو إجراءُ مراجعةٍ مستقلةٍ للنظامِ المالي وللبيانات الماليّة للمنظمة من قبل مختصين ماليين. بعض الدول تطالب جميع المنظمات الربحيّة وغير الربحيّة بإجراءِ تدقيقٍ ماليٍّ سنويٍّ ضمن القوانين الناظمة، بينما يكون هذا الاجراءُ اختياريًّا في دول أخرى.[7]


أقسام أخرى:

يضافُ إلى الأقسامِ السّابقة، أقسامٌ متخصصةٌ تَتبَعُ لنوعِ أنشطةِ المنظمةِ، وكِبَرِ حجمها، والعمليات الداخليّة والخارجيّة التي تقوم بها، ومنها: 

  1. قسم الموارد البشريّة: وهو القسم المعني بإدارة شؤون الموظفين والمتطوعين إداريًّا، والمسؤول عن صقل خبراتهم ومهاراتهم. 
  2. قسم المناصرة والتواصل: ويعد قسمًا رئيسيًّا في معظمِ المنظماتِ، لدوره الهام في الحشد والتنظيم المجتمعي، للتأثير في السياسات أو تغييرها. 
  3. قسم العمليات والدّعم اللوجستيّ: يكون مهم في المنظماتِ التي لديها كمٌّ كبيرٌ من العمل مع شركاء من القطّاع الخاصِ والحكوميّ والمشترك، حيثما يتطلّب الأمر قسمً متخصّصًا لإصدارِ الأذونات والموافقات اللازمة، إلى جانب الحجوزات وتأمين الموارد اللازمة للأنشطة، وما إلى هنالك من الأمورِ اللوجستيّةِ. 
  4. قسم الأبحاث والدراسات: في المنظمات التي تُصدرُ باستمرارٍ أبحاثًا أو أوراقًا بحثيّةً أو أوراق سياساتيًّة، فهي تقوم بإنشاءِ وحدةٍ متخصصةٍ لإنجاز مثل هذه المنتجات. 

كخلاصة عامة للجزء المتعلق بالمنظمات يمكن تلخيص النقاط التالية: 

المنظمات المدنية هي الشكل المنظم من المجتمع المدني، الذي تم إيجاده لأغراض تنظيمة تساعد المنظمات في إدارة أصولها المالية بطريقة شفافة أمام الحكومات والمانحين والمجتمع ككل. 

في كثير من الأحيان يكون وجود ترخيص للمنظمة مقيد لها ومعيق لحريتها. وفي بعض الدول تكون فوائد عدم الترخيص تفوق بكثير وجود ترخيص قانوني، لذلك وجب على الأفراد الناشطين في المجال المدني تقييم خطوة حصولهم على ترخيص قانوني في إطار الفوائد والمثالب التي من الممكن ان يتعرضوا لها في إطار ناشطيتهم.

عموما يمكن القول إن وجود هذا الشكل المؤسسي للمنظمات المدني يستلزم جملة من العناصر الضرورية الواجب توافرها بها لتبقى المنظمة مصنفة ضمن الحيز المدني وعلى رأسها أن تكون غير تابعة للحكومة أو لطرف سياسي، وأن تكون غير ربحية ولا تهدف إلى الربح. 

ولضمان بقائها على السكة المدنية وفقاً للأهداف التي وضعتها لنفسها أثناء العمل وتنفيذ الأنشطة، في إطار الدور النقدي الملتزم بالدفاع عن الحقوق والحريات، يستلزم ذلك وجود ثلاثة أركان داخل المنظمة؛ (امتلاكها لهوية واضحة ومعلنة، مستوى عالي من الحوكمة الرشيدة، وجهاز تنفيذي). 


[1] فريريش إيبرت. (2014). التخطيط الاستراتيجي للمنظمات المدنية، ص 11.

[2] – لا تقتصر عملية تمويل المجتمع المدني على الهيئات والمنظمات الدولية، او حكومات الدول، وإنما تتعداها لتشمل الشركات والبنوك، وتبرعات الأفراد، ومصادر تمويلات من منظمات أخرى لها أهداف متقاطعة مع المنظمة المتمولة. 

[3] فريرديش إيبرت. (2015). أساسيات الإدارة المالية لمنظمات المجتمع المدني، ص 21.

[4] – يختلف شرط وجود التسجيل القانوني للمنظمة بحسب المانح، هنالك بعض المانحين ممن يقدمون تمويلات صغيرة ومتوسطة للفرق والجمعيات والمنظمات لا يشترطون وجود هذا التسجيل، ولكن الأغلبية يشترطون وجود التسجيل القانوني وخاصة في حال وجود منح كبيرة مقدمة، وفي بعض الحالات تلجأ المنظمات الصغيرة التي لا ترغب بالتسجيل القانوني إلى منظمات حاضنة تكون مرخصة والاستفادة من ترخيصها في إدارة منحتها المالية بسلاسة وبدون عوائق وفق صيغة معينة مع المانح والحاضنة.  

[5] الشكل مأخوذ من كتيب التخطيط للمشاريع وكتابة المقترحات، فريدريك إيبرت، 2013.

[6]  فريرديش إيبرت. (2015). أساسيات الإدارة المالية لمنظمات المجتمع المدني. بيروت، ص 7

[7]  المرجع السابق، ص 23

اترك تعليق

مشاركة الموضوع

الأقسام الإدارية التنفيذية للمنظمات المدنيّة:

أو نسخ الرابط