الحوكمة أو الحكم الرشيد:

استُخِدمَ مفهوم الحوكمة أو الحكم الرشيد لأوّل مرّة في عام 1989 في أدبيات البنك الدوليّ عندما تحدّث عن الأزمة في الدول الإفريقية وجنوب الصحراء بأنها “أزمة حكم”، حيث أرجع الخبراء السبب في عدم نجاح سياسات الإصلاح الاقتصاديّ والتكيّف الهيكلي بهذه الدول إلى الفشل في تنفيذ السياسات، وليس إلى السياسات نفسها. 

ويُقصد بالحكم الرشيد بحسب مفوضية حقوق الإنسانكلّ عمليات الحكم والمؤسسات والعمليات والممارسات التي يتمّ من خلالها اتخاذ القرارات بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك وتنظيمها، ويضيف الحكم الرشيد صفةً معياريّةً وتقييميّةً لعملية الحكم[1]. مع الوقت تطوّر المفهوم، وأصبح لا ينطوي فقط على أبعاد مؤسسيّة تنظيميّة، وإنّما تعدّاه إلى أبعادٍ قانونيّةٍ وأخلاقيّة أضافتها الأمم المتحدة، وتُوجَزُ بالتالي: (المشاركة، حكم القانون، الشّفافيّة، حسن الاستجابة، بناء التوافق، المُساواة خاصة في تكافؤ الفرص، الكفاءة والفاعليّة، المُحاسبة والمُساءلة، الرؤية الاستراتيجيّة).


هنالك ارتباط وثيق بين المجتمع المدنيّ والحكم الرشيد، بل إنّ الحكم الرشيد يصبّ في جوهرِ وجود المجتمع المدنيّ منذ بداية تشكّله، حيث إنّ السعي لتحقيق حكمٍ عادلٍ وشفافٍ وتشاركيٍّ هي من أهمّ المسائل التي يسعى إليها المجتمع المدنيّ. ولهذه العلاقة جانبان بما يتعلق بالمنظمات المدنيّة؛ 

  • الجانب الأوّل: الحوكمة داخل المنظمات نفسها، وهنا يعرّف الحكم الرشيد بأنّه “مجموعـةٌ مـن القواعـد والقوانيـن والمعاييـر التـي تجـري بموجبهـا إدارة المنظمـات والرقابة، ويقـع علـى عاتقهـا مسـؤوليّة تنظيـم العلاقـة بيـن جميـع الأطراف فـي المؤسسـة وأصحـاب المصالـح وتُسـاعد القائميـن على تحديـد توجـهٍ وأداء المنظمـة ويمكـن مـن خلالها حمايـة المصالـح.[2] ووجود مستوى عالي للحوكمة داخل أي مؤسسة مدنية يسهم في ضمان استمرارية المؤسسة، وتقلل الأزمات المالية والإدارية، وتخفف من الترهّل الإداري، وتكافح عدم الكفاءة في العمل لدى العاملين. إلى جانب ذلك فهي تمنعُ استغلال بعض أعضاء مجلس إدارة المنظمة للسلطات المتاحة لهم في تحقيق مكاسبَ غير مشروعة أو تبديد أموالها. وتؤدّي إلى وجود عدالة وشفافيّة ومعاملة نزيهة لجميع الأطراف ذوي العلاقة بالمنظمة. [3]
  • الجانب الثاني هو النضال والسعيّ باتجاه مجتمع محوكمٍ بكليته، سواء على مستوى المؤسسات الحكومية، أو القطاع الخاص، أو القطاعات الأخرى في المجتمع. والذي يعني ببساطة أن يعمل المجتمع المدني على رصد ومراقبة الطريقة التي يتمّ من خلالها ممارسة السلطة في إدارة الموارد الاقتصاديّة والاجتماعيّة والبشرية للدولة. ومقاومة أشكال الفساد الإداري والمالي.

مبادئ تطبيق الحوكمة الرئيسية داخل المنظمات: 

حجر الزاوية في الحوكمة هو وجود نظامٍ داخليّ، وسياساتٍ وإجراءاتٍ معتمدة ومصادق عليها ومعمولٍ بها. يشتمل النظام الداخليّ على: اسم المنظمة، مجال عملها، الهدف\الغرض الذي أُنشأت من أجله، أسماء وعناوين المؤسسين، عنوان المكتب المسجل، واسم الوكيل المسجل للمنظمة، كما يوضح بنيتها الحاكمة الأساسية كالجمعية العامة، مجلس الإدارة، ويُبين التفاصيل المتعلّقة بتكويّنها وصلاحيات كلّ بنية حاكمة فيها، وسنستعرض بشكلٍ مركّزٍ وموجز كل هيئة حاكمة في المنظمة، دورها والصلاحيات التي تتمتع بها: 

  1. الهيئة العامة (الجمعية العامة): هي أعلى هيئة لصنع القرار في المنظمة، فهي التي تنتخب أعضاء مجلس الإدارة وتعزلهم، كما تقرّر المسائل المصيريّة للجمعية، والتي لا يمتلك مجلس الإدارة التقرير في شأنها. يتمّ دعوة الجمعية العامة للانعقاد مرّةً واحدةً على الأقل في السنة، وغالبًا ما تناقش في اجتماعها السنوي الاعتيادي: (الميزانية والحساب الختاميّ، تقرير مجلس الإدارة عن أعمال السنة، تقرير مراقب الحسابات، انتخاب أعضاء مجلس الإدارة بدلًا عن الذين زالت أو انتهت عضويتهم). ويجوزُ دعوة الجمعية العامة لاجتماعٍ غير عادي لأسباب منها: النظر في تعديل النظام الأساسي للجمعية أو حلّها او اندماجها مع غيرها، عزل كلّ أو بعض أعضاء مجلس الإدارة، وغير ذلك من المسائل الأساسيّة التي تختصُّ بها الجمعية العامة[4]
  2. أمّا مجلس الإدارة (الهيئة الإداريّة): فهي الهيئة الحاكمة الرئيسية للمنظمات غير الحكوميّة (غالبًا يكون وجودها شرطًا رئيسيًّ لترخيص المنظمة وفقَ القانون العام)، ويضطلع مجلس الإدارة بمهام صياغة رسالة المنظمة وتحديد أغراضها وبلورة رؤية واضحة، اختيار المدير التنفيذي ودعمه وتقييم أداءه، التخطيط الاستراتيجي وتدبير التمويل اللازم لعمل المنظمة وضمان كفايته[5]. إلى جانب الدور الرقابيّ المستمر. فمجلس الإدارة بمعنًى أخر هو مجلسٌ ذو سلطةٍ كاملةٍ لاتخاذِ القراراتِ فيما يتعلق بتنفيذ الأهداف والسياسات التي تقررها الهيئة العامة ويقوم بوظيفةِ الرقابةِ ويساعد في الحصول على تمويلات الأنشطة. 
    يعتمد عدد أعضاء مجلس الإدارة على حجم المنظمة، وغالبًا ما يكون عددهم فردي من (5 إلى 7 أعضاء) كمعدّل وسطيّ، والعدد الفردي يكون لأغراض حُسْنِ عمل نظام الضوابط والتوازنات في حال لم يتم التوافق وتم اللجوء إلى التصويت بنظام النصف +١ أو بنظام الثلثين. عمومًا يتعين على الهيئات العامة للمنظمات اختيار حجم الهيئة الإدارية الذي سيمكّنهم من: عقد مناقشات بنّاءة ومثمرة واتخاذ قرارات سريعة ومنطقية، وتنظيم عمل لجانها بكفاءة. ولضمان فاعلية أكبر للمجلس من المهم أنّ يتمتع أعضاءه بخبرةٍ في مجالات (التنميّة والمجتمع المدنيّ، خبرةٍ قانونيّةٍ، تمثيلٍ لأصحابِ الشأن والمصلحة، تنوّع جنسيّ وعمريّ، إلى جانب سماتٍ أساسيّة كالنزاهة والصدق)[6].
  3. الفريق الإداريّ التنفيذيّ: وهم فريق الموظفين والمتطوعين المنفذين الذين يقومون بأداء عملهم بشكلٍ يوميّ، ويَنْصَبُّ اهتمامهم الأساسي على الكيفيّة التي يجب أنّ يتم بها استخدام الموارد المتاحة لتحقيق الأهداف والنتائج المرجوة، كما يتولون مسؤولية تحويل وترجمة السياسياتِ والتوجهاتِ العامة للجمعيةِ إلى أنشطةٍ ومشروعات. في غالب الأحيان يقوم مجلس الإدارة بندب مدير تنفيذيّ لإدارة الفريق الإداريّ، وتنفيذ سياسات الأنشطة، ويكون المدير التنفيذيّ بدوره مسؤولًا أمام مجلس الإدارة، إذ يتولى إرشاد مجلس الإدارة وتوجيهه للخيارات المختلفة، حيث يختصّ بترجمةِ رسالةِ المنظمةِ وتجسيد رؤيتها، وتوفير مصادر التمويل، وإدارة وتخصيص موارد المنظمةِ والاشراف على شؤونها المالية، وإدارة شؤون العاملين، والاشراف على تقديم البرامج والخدمات، والإفصاح عن المنظمة والتعامل مع البيئة الخارجيّة[7].

من ناحية المبدأ الرئيسي؛ تستند الحوكمة الداخلية في المنظمات المدنيّة إلى مبدأ “فصل الحوكمة عن الإدارة“. بمعنى ألا تتدخّل الهيئة العامة ومجلس الإدارة بالإدارة التنفيذيّة اليوميّة، وتكتفي بدور الموجه والرقيب لعمل المنظمة ككل، حيث يشكل هذا الفصل بين المستويين تنشيطَ وتفعيل العمل المدنيّ. كما أنه يضمن تشغيل المنظمة بشكلٍ فعال، مع مراعاة المصلحة العامة. أمّا التداخل الحاصل في المنظمات المدنيّة بين مجالس الإدارة، ومهام الإدارة التنفيذيّة سيؤدّي إلى إضعاف الإدارة، وإشغال مجالس الإدارة عن دورها الحقيقيّ كوجه للإيقاع العام لعمل المنظمة نحو الهدف والتغيير المرجو[8]. إلى جانب الاحتمالية متوقعة الحصول لتضاربِ المصالح نتيجة لهذا الخلط بين الوظائف الرقابیّة والتنفیذیّة.[9]


[1]  المفوضية السامية لحقوق الانسان. (n.d.). نبذة عن الحكم الرشيد.

[2] منظمة محامون بلا حدود. (2021). الحوكمـة الشـاملة فـي عمـل منظمـات المجتمـع المدنـي، ص 18.

[3]  برنامج دعم المجتمع المدني. (2012) الحكم الرشيد في منظمات المجتمع المدني-دليل المتدرب، ص4

[4]  برنامج دعم المجتمع المدني. (2012) الحكم الرشيد في منظمات المجتمع المدني-دليل المتدرب، ص 7

[5]   المرجع السابق، ص 8.

[6] رانيا سكينه (2017). مادة تدريبية للحوكمة في منظمات منظمات المدنية، ص 9-15

[7] برنامج دعم المجتمع المدني. (2012) الحكم الرشيد في منظمات المجتمع المدني-دليل المتدرب، ص 9.

[8] برنامج دعم المجتمع المدني، مرجع سبق ذكره، ص 11

[9] رانيا سكينه (2017). مادة تدريبية للحوكمة في منظمات منظمات المدنية، ص 11.

اترك تعليق

مشاركة الموضوع

الحوكمة أو الحكم الرشيد:

أو نسخ الرابط