إطلالة على التاريخ الاستعماليّ لمفهوم المجتمع المدنيّ وتطوّره
Articles
المقدمة
مِن الأهمية دراسة تطوّر مفهوم المجتمع المدنيّ في سياقٍ جدليّ؛ يأخذُ بالاعتبارِ تطوّرَ المجتمعاتِ الديمقراطيةِ الحديثةِ وانتشار مفهومِ سيادة القانون، بالتوازي مع تكرّس الاتجاهات الفكريّة والفلسفيّة الأكثر رسوخًا في الوعي الإنساني حول العلاقة بين الدولة والمجتمع. ابتداءً من فلاسفة عصر التنوير الأوربيّ مرورًا بالفلسفة الهيغليّة، وصولًا إلى الانعطافة الغرامشيّة التي أثّرت ورسّخت، بل وقامت بتأطير مفهوم المجتمع المدنيّ، بمقابل الدولة الحديثة.
وبالتوازي يستعرض أهمّ الأحداثِ والثوراتِ والاحتجاجاتِ التي أسهمتْ في بلورة المفهوم كممارسةٍ عمليّة للشعوب، وفقَ سياقٍ زمنيٍّ تسلسليّ يرسم للمفهوم إطارًا نظريًا وعمليًا في آنٍ معًا. مع الإشارةِ إلى أنّ هذا التقسيم للمراحل ما هو إلا تعبيرٌ عن أهمّ المراحل في بلورة التعريف وتأطيرِ المفهوم في الفكر السياسيّ والاجتماعيّ.
وقبل الخوض في غمار استعراض النظريات الحديثة التي تناولت المفهوم الحديث للمجتمع المدني، من الأهمية بمكان ولضرورة الفهم المتصل زمنياً، الإشارة إلى أن أول ظهور للمجتمع المدني كان في الفلسفة السياسية اليونانية، وبالتحديد لدى كل من أفلاطون وارسطو، الذين تناولوا بالنقاش المفهوم في سياق النظرية السياسية اليونانية حيثما المجتمع مقسم إلى طبقات ثلاث: (احرار وهم المواطنون الذكور، العبيد من ليس لهم أي حقوق، والأجانب المقيمين ممن لهم حقوق محددة).
أولًا: المجتمع المدني في الفلسفة اليونانية القديمة
نظر أفلاطون الى المجتمع المدني من خلال الدولة بصفتها تجسيدا للحياة الأخلاقية، حيث عدَّ القانون وازع أو ضمير أخلاقي للمواطن. ويتأسس المجتمع المدني لديه على الاعتراف بالتنوع والفهم العميق لتقسيم العمل، فهو مثل جسم الإنسان أو طاقم السفينة يتألف من عناصر مختلفة لها مهارات متنوعة وتؤدي مهمات مختلفة. وهذا التقسيم القائم على الاستعدادات الطبيعية يقع في قلب نظرية أفلاطون عن العدالة والسياسة؛ فلا يتحقق التوازن والاستقرار إلا حين يقوم كل فرد بالوظيفة المنوطة به. فإذا كانت العدالة توازناً وصحة، فإن الظلم تنازع والتحلل فوضى، ويمكن أن تعزى أعمال الشغب كلها إلى عجز الأجزاء المكونة للدولة عن أداء أدوارها بالاستناد إلى طبيعة وظائفها.
أما السبب الرئيسي في دمار المجتمع -بحسب أفلاطون- فهو المصالح الخاصة والأنانية، التي يمكن أن تفتت الروابط التي تشد مفاصل المجتمع المدني معاً، فالغنى ينتج الرفاهية والعطالة، والفقر ينتج معايير واطئة للمعرفة والعمل والسلوك. بهذا المعنى (الغنى والفقر) كلاهما نزعتان هدامتان. ولا شيء أخطر على وحدة المجتمع وتماسكه، في نظر أفلاطون، من الفوضى التي تولدها مراكز ثقل مختلفة تدور حول الاهتمام الأناني بالذات. والامر ذاته ينطبق على الطموح والجشع والتخاصم والتنافس التي تشكل تهديدات ثابتة للمجتمع المدني، لأنه من الصعب التحكم في الأهواء الخاصة بعقوبات خارجية، في حال غياب الالتزامات المشتركة. فالمجتمع المدني بحسب أفلاطون يعتمد في النهاية على أنماط ثابتة من الفكر، لا على العقوبات والقسر. فالمجتمع المدني يجمع الحقيقة والخير والجمال، مع المعرفة والقوة والدولة.
شاطر ارسطو أفلاطون فهمه لكون الصلات الإنسانية تتجذر في الحاجة المادية، وتقسيم العمل يقع في صميم المجتمع المدني، الذي هو عبارة عن جماعة منظمة سياسياً. لكنه انتقد فكرة الوحدة بمعنى التجانس التي نادى بها أفلاطون، ورأى أن المدينة هي المقولة الوحيدة التي يمكن ضمنها أن نفهم الحياة المشتركة للمواطنين خارج العائلة. فالمدينة تقتضي بالضرورة تفاوتاً في القدرات بين أعضائها، الأمر الذي يمكّنهم من أن يخدموا بعضهم بعضاً، ويحققوا حياة أسمى وأفضل عبر تبادل خدماتهم المختلفة. حيث جاء في كتابه “السياسة” قوله: “أولاً، تبين لنا الملاحظة أن كل مدينة أو دولة إنما هي ضرب في ضروب الاجتماع؛ وتبين ثانياً، أن كل الجماعات تتأسس من أجل تحقيق نوع من الخير؛ ذلك أن الرجال جميعهم يمارسون أفعالهم بغرض تحقيق ما هو خير من وجهة نظرهم”. والغاية من المدينة حسب ارسطو هو العيش بصورة جيدة، لا مجرد العيش، والدولة توجد من أجل تعزيز المصلحة العامة؛ فهي تجمّع فريد في نوعه.
بصورة مختصرة نظر الفكر الكلاسيكي اليوناني إلى المجتمع المدني من زاويتين مختلفتين لكنهما متكاملتان: الأولى سياسية مفادها اعتبار المجتمع المدني جماعة سياسية منظمة، والثانية أخلاقية المجتمع المدني كونه جماعة تنظمها القيم الأخلاقية لا سيما العدالة بصفتها أم الفضائل، باشتمالها على الحرية والمساواة. ولعل هذه المقولات والأفكار والمفاهيم التي تمت مناقشتها في الحضارة اليونانية ومن ثم الرومانية، سوف تكون حاضرة في التفكير الجمعي العام لدى فلاسفة ومفكري عصر النهضة الاوربية، الذين أعادوا إنتاجها نقديا وقدموا فهما جديدا لها في ضوء النظام السياسي الجديد[1]، وهو ما سوف يتم استعراضه في الفقرات اللاحقة.
[1] جاد الكريم جباعي (2020) محاضرة حول مفهوم المجتمع المدني ضمن المساق التعليمي: المجتمع المدني-المجتمع السياسي و”الدولة الوطنية”، همزة وصل.
ثانيًا: مفهومِ المجتمع المدنيّ لدى مفكري العقد الاجتماعي، والثورة الفرنسيّة
ارتبط التجلي الأول للمجتمعِ المدنيّ بمفهومهِ الحديث، مع ظهور الدولة الحديثة في عصر التنوير الأوربيّ أواخر القرنين السّابع عشر والثّامن عشر، وهي مرحلةُ التحوّلِ من النظام القديم الذي كانت فيه أوروبا تنتظم في مجتمعٍ مُوحّد تحت سلطة الأمير البابوي، وحيثما الفلسفة السياسيّة السائدة آنذاك تتلخص في مجازين اثنين: يقارن أوّلهما المجتمع بجسد ساقاه الحرفيون والفلاحون على الأرض، ورأسه (البابا) يطاول السماء. ويقارن المَجاز الثاني المجتمع بالأسرة، حيث كما أنّ للأسرة ربًّا غير منازع هو الأبّ، كذلك فإنّ للمجتمع رئيسًا غير منازع هو السّلطان.[1]
ساهمت الثورة الفرنسيّة (كحركةٍ اجتماعيّةٍ) في فكفكة النظام القديم، حيث لم تعدْ طبقة النبلاء قويّةً وموحدةً وقادرةً على حماية النظام، وأخفق رجال الدين في الحفاظ على تماسكهم ووحدتهم، وحدثت تحوّلاتٌ اقتصاديّةٌ في بنية الانتاج والطبقة الاقتصاديّة مع الثورة الصناعيّة الأوّلى[2]، بالإضافة لتحوّلاتٍ اجتماعيّةٍ امتدت إلى القيم الاجتماعية والنسَقِ الثقافيّ. ليتمّ الحديث عن تغييرٍ جديدٍ رافضٍ لما كان سائد سابقًا،
تبلورت التغييرات الحاصلة بما يخص النظام السياسي والاجتماعي الأوربي عموما، والمجتمع المدني على وجه الخصوص؛ عبر حصيلة نقاشات نوعية من قبل المفكرين والمنظرين في كافة انحاء القارة الاوربية واستمرت على مدار أربعة قرون قبل اندلاع الثورة الفرنسية،[3] وتجمعت خلاصة الأفكار بما يخص الفلسفة السياسية الجديدة للدولة، والمجتمع المدني، في نظريات وأفكار من أطلق عليهم مفكرو العقد الاجتماعي (ميكافيلي، هوبز، لوك، وروسو) [4]
تلخصت أفكار ميكافيلي (1496-1527) في هدم فكرة التفويض الإلهي للحاكم، واقامة السياسة على أسس دنيوية وموضوعية خالصة، والتأسيس لفكرة العقد الاجتماعي. وفي إطار حديث ميكافيلي عن المجتمع المدني أكد على أهمية الالتزام بالصالح العام بين أعضاء المجتمع؛ فبدون عادات الفضيلة المدنية التي تحض الناس على إعلاء الصالح العام، سيكون المجتمع مهددا بالانهيار بفعل ما هو متأصل في الجنس البشري من أنانية طبيعية.
في حين رفض توماس هوبز (1588-1679) نظريات الأصل الإلهيّ للمجتمع، واستنتج أنّ كلّ سلطةٍ مدنيّةٍ يجب أن تكون انعكاسًا لأصلٍ مجتمعيٍّ دنيويّ (أي أنه نادى بعلمانية الدولة وانبثاقها من المجتمع المدني بالتعاقد والتوافق)، فالدولة تدين في وجودها وشرعيتها إلى إرادة المجتمع. فهي -أي الدولة- إنسان موضوعي صنعه الإنسان، وهذا الإنسان الصانع هو المجتمع المدني. رفض هوبز النظريات التي قالت بوجود المجتمع المدني قبل تنظيم الدولة، لأن الدولة في نظره انتصار على الطبيعة، وزوالها يؤدي بالضرورة إلى زوال المجتمع أو تفككه. والمجتمع هو ميدان الحياة العمومية والمصالح الشخصية، التي لا يحق للدولة أن تتدخل فيها، وبذلك أقام هوبز التفريقَ النظريَّ بين المجال العام والمجال الخاص.
أما جون لوك (1632-1704) أعلن أنّ الحالة الطبيعية للبشر تتأكد عند سيطرة الحريةِ والمساواةِ كمفاهيمٍ أساسيةٍ تحكم المجتمع. وغاية التعاقد الاجتماعي لديه هو الحفاظ على الأرواح والملكية الخاصة، وإلغاء النظام الملكيّ المطلق (أو الفردية الأوتوقراطية \الدينية\) التي لا تتفق مع طبيعة المجتمع المدنيّ الذي ينطلق من مبدأ الإرادة الحرّة. واعتبر لوك أنا المبدأ الكفيل بتأسيس المجتمع المدني وتنظيمه وتجديد العلاقة بين السلطات المختلفة فيه، هو مبدأ اعتماد الأكثرية، فأساس المجتمع المدني هو الموافقة من جانب غالبية الناس لتشكيل كيان سياسي واحد، ومن هنا لابد من ظهور مبدأ الأكثرية الذي يعد شرطا أساسيا لقيام العقد الاجتماعي وشرطا أساسيا لكل حكومة شرعية بذلك يؤكد جون لوك الدلالة الليبرالية لشرعية السلطة السياسية.
بينما حاول جان جاك روسو (1712-1778) البرهنةَ على أنّ الوسيلة الوحيدةَ لتصحيح التفاوت الاجتماعيّ، هي في ضمان الحريّةِ والمُساواةِ المطلقةِ أمام القانونِ، ورفض تقسيم السلطة إلى تشريعيّة وتنفيذيّة، واقترح بدلًا منها الاستفتاء الشعبي العام في جميع الأمور السياسيّة الهامة، مؤسسًا بذلك لسلطةٍ مطلقةٍ، هي (سلطةُ الشعب). ومأثرةُ روسو الخالدة تأكيده على شرط التلازم النسبيّ بين الحريّة والمُساواة، فلا مكان في عقده الاجتماعيّ لمواطنٍ غنيّ إلى درجةٍ تُمكنهُ أن يشتري الآخر، وفقيرٍ إلى درجةٍ يضطرُ فيها إلى بيعِ نفسه، لقد أدخل روسو عنصر المُساواةِ إلى المجتمع المدنيّ، وبذلك جعل العدالةَ الاجتماعيّة شرطَا للحريةَ.[5]
أبرز المساهمات للمفكرين التي أطاحت بالنظام القديم وبلورت الفكرَ في المجتمع الحديث بكليته [6]
نيقولا ميكافيللي
(1469-1527)
حاولَ البرهنةَ على أنّ البواعث المُحركة لنشاط البشر هي الأنانيةُ والمصالح المادية، فالفرديّة والمصلحة عنده هما أساسُ الطبيعةِ الإنسانية.
نيقولا كوبرنيكس
(1473-1532)
أسهمتْ في تحطيمِ الأيديولوجية اللاهوتية ووضعت الأسسَ الأولى لبداية تاريخ تحرّر العلوم الطبيعية من اللاهوت.
مارتن لوثر
(1483-1546)
أعلن مطالبته بالإصلاح الديني، وأنكر دور الكنيسة ورجال الدين في الوساطة بين الإنسان والله. وكان لهذا دورٌ هامٌّ في فتح آفاق القطيعة بين الدين والدولة، وتعميق تطوّر مفاهيم المجتمع المدنيّ والمُثل السياسية البورجوازية والدولةِ الديمقراطية.
فرنسيس بيكون
(1561-1626)
دعا إلى إقامة منهج علمي جديد يرتكز على الفهم المادي للطبيعة وظواهرها، وإلى النزعة الشّكيّة فيما يتعلق بكلِّ علمٍ سابق كخطوةٍ أولى نحو الإصلاح وتطهير العقل من الأوهام.
ديكارت
(1596-1650)
ارتكز المذهب العقلاني عنده على مبدأ الشك المنهجي أو الشك العقلي الذي يرمي إلى تحرير العقل من المسبقات وسائر السلطات المرجعية
توماس هوبز
(1588-1679)
رفض نظريات الأصل الإلهيّ للمجتمع، واستنتج أنّ كلّ سلطةٍ مدنيّةٍ يجب أن تكون انعكاسًا لأصلٍ مجتمعيٍّ دنيويّ، بمعنى ان الدولة تدين في شرعيتها إلى إرادة المجتمع.
جون لوك
(1632-1704)
رفض مفاهيم المجتمع الإقطاعي، وأعلن أنّ الحالة الطبيعية للبشر تتأكد عند سيطرة الحريةِ والمساواةِ كمفاهيمٍ أساسيةٍ تحكم المجتمع. والغرض من التعاقد الاجتماعي المحافظة على الأرواح والملكية الخاصة وإلغاء النظام الملكيّ المطلق
شارل مونتسكيو
(1689-1755)
أكدّ على أن الضمانة الأساسية للحرية تكمن في المؤسسات الدستورية الكفيلة وحدها بالحدّ من العسف وكبحه، إلى جانب رفضه للحكم المطلق الذي اعتبره شكلًا مناقضًا للطبيعة الإنسانية، ومناقضًا للحقوق الشخصية وحصانتها وأمنها، ففي “مجال العقوبات، يضع مونتسكيو حدًا فاصلًا بين الفعل وبين نمط التفكير، فالعِقاب يُستحق فقط على الأفعال لا على الأفكار، إذ أن عقاب الإنسان على أفكاره هو امتهان فاضح للحرّية”
جان جاك روسو
(1712-1778)
حاول البرهنةَ على أنّ الوسيلة الوحيدةَ لتصحيح التفاوت الاجتماعيّ، هي في ضمان الحريّةِ والمُساواةِ المطلقةِ أمام القانونِ، ورفض تقسيم السلطة إلى تشريعيّة وتنفيذيّة، واقترح بدلًا منها الاستفتاء الشعبي العام في جميع الأمور السياسيّة الهامة، مؤسسًا بذلك لسلطةٍ مطلقةٍ؛ هي (سلطةُ الشعب)
آدم سميث
(1723-1790)
أول من دشّن القطيعة بين الدولة والمجتمع المدنيّ، من خلال تأكيده على مفهومين: الأمة بدل الدولة، والغنى (أو الثروة) بدل السياسة، بما يعني أن المجتمع المدنيّ هو مجتمع للمبادلات التجارية، فالعمليات الإنتاجية والمبادلات التجارية تتمخض من تلقاء نفسها، وبصورة تدريجية عن حكومة نظامية تضمن للأفراد حريتهم وأمنهم ومصالحهم من دون تدخل الدولة وقوانينها في المجال الداخلي، والتي يقتصر دورها على المجال الخارجي لتأمين أمن الحدود، والقيام بالمشاريع الكبرى التي تعجز عنها المبادرة الخاصة.
اما على المستوى العملي؛ تَجسّد التعبير السياسيّ والقانونيّ الأوّل للمجتمع المدنيّ بشكل واضح وجلّي في إعلان “حقوق الإنسان والمواطن” أعقاب الثورة الفرنسية 1789، حيث كان هذا الإعلان بمثابة التحول الفعلي إلى فكرة المواطنةِ بمفهومها الحديث[7]. وكان هذا الإعلان ردة فعل واضحة عن انتهاكاتُ حقوقِ الإنسانِ التي كانت سائدةً قُبيل الثورة الفرنسيّة. تميّزت هذه الوثيقةُ الفرنسيّة عن غيرها مما سبقها من الدول الغربية، وخصوصًا انجلترا والولايات المتحدة الأمريكيّة بأنها أكثر شموليّةً ووضوحًا بالنسبة لحماية حقوق الإنسان، كما أنها لم تقتصر على حماية المواطن الفرنسيّ فقط، بل اتسع نطاقها لتشمل جميع الناس؛ وركّزت مقدمةُ الإعلان على ضرورة تعريف الإنسانِ بحقوقهِ وتذكيرهِ بها لأنّ جهل حقوقِ إنسان أو نِسيانها أو ازدرائها هي الأسباب الوحيدة للمصائبِ العامة.[8]
ويُمكن القول إن مفهومَ المجتمع المدنيّ في نقاشات مُفكري عصر النهضة تأسسَ من خلال التركيز على ثلاثةِ قيمٍ رئيسيّةٍ؛ ستشكّل فيما بعد ركائز المجتمع المدنيّ، وهي[9]:
- قيمة الفرد المواطن باعتبارها قيمةً عليا مطلقةً ومقدسةً ولها حقوقٌ مصانةٌ، خاصةً حقّ الحياة وحرمة الجسد والملكيّة، وحريّة التفكير. وعليه واجبات في مقابل الحاكم، وبهذا المعنى أصبح المجتمع المدنيّ تعبيرًا عن وعي الفرد بحقوقه في مواجهة السلطة.
- قيمة المجتمع المتضامن الذي يتميز بقدرة أفراده على الالتزام بالمستلزمات الأخلاقيّة والقانونيّة الأساسيّة لتأسيس الجماعات المدنيّة. وتحوّلها لقوةٍ فاعلةٍ تتحرك وفق مصالحها في مقابل الحاكم أو السلطة، وتَمظهُرِها كقوةٍ لا يمكن تخطّيها في وقتٍ لاحقٍ من تطوّر النظريّة السياسيّة.
- قيمة الدولة ذات السيادة، والمستمِدة شرعيَتها في الإدارة والحكم من الشعب، واعتبر السلطة والحقوق الناتجة عنها حقوقًا مشروعةً ومقبولةً.
مقدمة إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لسنة 1789
“إن ممثلي شعب فرنسا مشكلين في هيئة جمعية وطنية قد توضح لهم أن الجهل والإهمال واحتقار حقوق الإنسان هي الأسباب الرئيسة للمصائب العامة وفساد الحكومات وقد قرروا ان يطرحوا في الإعلان هذه الحقوق الطبيعية الثابتة التي لا يجوز الانتقاص منها). لقد عول الشعب الفرنسي كثيراً على الثورة التي حملت لواء الحرية والمساواة بين أفراد المجتمع، وجاءت الإجراءات والقرارات التي اتخذتها الجمعية الوطنية ملبية تماماً لأهداف ورغبات الشعب، فقد كان الشعار الذي رفعته الثورة (الحرية العدالة، الإخاء)، كافي لتحقيق المساواة والرفاهية للشعب، ولم يبق إلا أن تشرع الجمعية الدستور والقوانين التي تحدد حقوق المواطن وتصونها وتحميها من جور السلطة”.
[1] مصطفى صفوان. (2012). لماذا العرب ليسوا احرارا. بيروت: دار الساقي.
[2] الثورة الصناعية الأولى: بدأت في نهاية القرن الثامن عشر في بريطانيا بعد اكتشاف الألة البخارية، والتحول من الإنتاج اليدوي إلى الإنتاج الآلي، وما لبث أن امتد ليشمل كل أوربا.
[3] يمكن الإطلاع على ملخص لأهم أفكار الفلاسفة والمنظرين التي أسهمت كتاباتهم بالنهضة الاوربية في الشكل بنهاية هذه الفقرة.
[4] مفكرو العقد الاجتماعي: وهم المفكرين الذين ناقشوا العلاقة بين الفرد والسلطة في عصر النهضة الاوربية من ناحية تنازل الفرد عن بعض حريته للدولة التي سوف تضطلع بدورها بتولي حماية بقية حقوقه.
[5] شبكة انتفاضة فلسطين (2016) التطور التاريخي لمفهوم المجتمع المدني.
[6] شبكة انتفاضة فلسطين (2016) التطور التاريخي لمفهوم المجتمع المدني.
[7] عزمي بشارة (2012). المجتمع المدني دراسة نقدية. الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
[8] ميريام أشقر. (د.ت.) إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789، الموسوعة السياسية.
[9] نبراس المعموري. (18 01, 2021) إسهامات المجتمع المدني في العقد الاجتماعي، صحيفة الزمان.
ثالثًا: المجتمع المدنيّ لدى هيغل، وثورات الشعوب الأوربيّة
التطوّر المهم الثاني كان في فكر الفيلسوف الألماني فريدريش هيغل[1] الذي نَقد مفكريّ العقد الاجتماعيّ، ففي حين وضع مفكرو العقد الاجتماعيّ الدولةَ في خدمة المجتمع المدنيّ، جاء هيغل بفلسفة سياسيّة اعتبرتْ المجتمع المدنيّ مرحلةً من مراحلِ الدولة، وجعل المجتمع المدنيّ في خدمة الدولة، ودعا الأفراد إلى التضحيّة بأنفسهم من أجل بقاء واستمرار الدولة. ورسمَ العلاقةَ بينهما أي المجتمع والدولة لا كمجردِ علاقةِ نفيٍّ وإثبات، وإنّما علاقةٌ يتحوّل فيها كلّ من طرفيها إلى مركّب مكوّن للطرف الآخر.[2]
فالمجتمع المدنيّ -بحسب هيغل- هو المجال الحيويُّ لرغبةِ الإنسان في الاعتراف بالذات، حيث يكون الفردُ حُرًّا، وتكون إرادته مرتهنةً جزئيًا بإرادة الدولة. والتعاقدُ عند هيغل يُنشئ المجتمع المدنيّ الذي يتكوّن من أفراد مستقلين، لكلّ منهم ذاتٌ حرّة لا تَحدُّها إلا حريّة الذات الأخرى. وهذا الطرح شكّلَ أهميةً كبيرةً لأنّه يرى أنّ تفاعل كلّ إنسانٍ مع الآخر هو الذي يجعله يدرك العالم، وبالتالي أبرز أهمية التفاعل الاجتماعيّ، وطرح فكرةَ أن التشابه في مصالح مجموعةٍ من الأفراد تدفع بهم لأن ينتظموا في تنظيمات اجتماعيّة، لتكريس التعاون والتضامن.
فالمجتمع المدنيّ بالنتيجة هو مجتمعُ الحاجة، يتحرّك فيه الأفراد لإشباع حاجاتهم بكلّ حريّة، وهو يتوسط الأسرة والدولة، ويقوم بوظيفة الوساطةِ بين الفرد والجماعة، وتأتي الدولة لتوفّق بين الجزئيّة والكليّة. فأساسُ المجتمع المدنيّ هو: عدم قدرة أيّ فرد على الاكتفاء بذاته، ثم علاقات الاعتماد المتبادل، ثم تلازم المجتمع المدنيّ مع الدولة[3].
حاول هيجل من خلال نظريته عن المجتمع المدنيّ تخفيفَ الصراعات الاجتماعيّة عبر رؤيةٍ تقوم على التوازن بين الملكيّة الخاصة والأنانية الفرديّة من جهة، وإشكاليةِ الإفقار والاغتراب من جهةٍ أخرى، من دون التنازل عن حريّة الفرد وحقّه في التعاقد.
بعد وفاة هيغل بعشرة أعوام اندلعت ثوراتُ ما سُميّ “ربيع الشعوب الأوربيّة” 1848 في أكثر من خمسينَ بلدًا أوربيًّا اختلفت مطالبها بحسب الظرف الذي تعيشه كلّ دولةٍ وتحتَ أيّ سلطة، لكن ما كان ثابتًا أن معظم الثوراتِ كانت تفرض نفسها في مواجهة السلطةِ التي لم تكن تعبّر عن طموحاتِ ومطالبِ الأفراد، وراكمت الفكر الديموقراطي كتجربةٍ عمليّةٍ تعيشها وتختبرها الشعوب، وأَسست في الوقت عينه لدور مجتمعٍ مدنيٍّ فاعلٍ ونشطٍ.
ثورات الشعوب الأوربية 1848:
بدأت الانتفاضات بثورة أهالي باليرمو الإيطاليّة على حكم آل بوربون في ١٢ كانون الأول. ولحقتْ بها باريس بعد شهر، وكرّت المسبحة فلحقتْها ميلانو والبندقيّة ونابولي وفيينا وبراغ وبودابست وكراكاو وبرلين وكولن. تأثّر بها أكثر من خمسين بلدًا وصولًا إلى البرازيل. تعدّدت العوامل التي أطلقت الثورات بقدْر ما تعدّدت الأهداف. أبرز عوامل تلك الانتفاضات النتائج الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة للثورات الصناعيّة – من بطالة وفقر وهجرة مدينيّة وظروف عمل قاهرة – والتوسّع الرأسماليّ الذي أخذ ينخر بنية الأنظمة الملكيّة الاستبداديّة ويطرح قضيّة توحيد الأسواق المحلّيّة.
الثورات في وجهٍ منها ثوراتٌ ديمقراطية تطالب بالملكيّات الدستوريّة أو بإعلان الجمهوريّة واعتماد الاقتراع العامّ وتأمين حريّة الصحافة والرأي والاجتماع. والثورات في وجهٍ آخر ثورات تحرّر وطنيّ ووحدةٍ قوميّة. عرفت المقاطعات الإيطاليّة والإمارات الألمانيّة والمجر وسويسرا وأيرلندا نزعات انفصاليّة كما في صقلية ضدّ حكم أسرة آل بوربون وفي المجر الساعية إلى الانفصال عن النمسا. في المقابل، جاءت الثورات في كلٍّ من ألمانيا وإيطاليا في سياق النضال من أجل تحقيق الوحدتين الألمانية والإيطاليّة بتجميع عدّة ممالك وإماراتٍ ومقاطعات. في أمكنةٍ أخرى.
في الآن ذاته، اتّخذت الحركات الاجتماعيّة طابعًا لا يخلو من الحِدّة. انتشرت الانتفاضات الفلاحيّة المعادية للإقطاع ونجحت في إلغاء القنانة في النمسا وبروسيا في أواسط القرن. وأخيرًا ليس آخرًا قامت انتفاضاتٌ عمّاليّة في فرنسا وبلجيكا وبريطانيا، عبّرت عن ردود الفعل الأولى على التصنيع والرأسماليّة، وخرجتْ من صلبها تيّارات عماليّةٌ واشتراكيّةٌ لم تكن لتكتفي بالمطالبة بتحسين مستوى معيشة العمّال وشروط عملهم، بل دعتْ إلى تنظيمٍ اجتماعيٍّ جديد قائم على الحريّة والمساواة.
(طرابلسي، 2018)
[1] جورج فريدريش هيغل (1770 – 1831) فيلسوف ألماني من أبرز فلاسفة المدرسة المثالية.
[2] عزمي بشارة (2012). المجتمع المدني دراسة نقدية، ص 61.
[3] أماني قنديل. (2008). الموسوعة العربية للمجتمع المدني. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص 49-48
رابعًا: المجتمع المدنيّ لدى كلّ من غرامشي وألتوسير والثورة البولنديّة
التطوّر الأهمّ والحاسم في القرن العشرين، والذي أدخل مفهوم المجتمع المدنيّ في صلب النقاش العام بوصفه “المجال الطبيعيّ لبناء الهيمنة الإيديولوجيّة المضادة لهيمنة الدولة[1]“. كان في أفكار أنطونيو غرامشي (1891-1937) المناضل السياسيّ والمفكر الاقتصاديّ الإيطاليّ الذي سُجن خلال أعمال مقاومة النظام الفاشيّ في إيطاليا، وشكّلت رسائله من السجن أحد كلاسيكيات الأدب اليساريّ المقاومِ.
طوّر غرامشي المفهوم الماركسي المبسّط للإيديولوجيا -بصفتها وعيًا زائفًا- وجزء من البنية الفوقيّة[2]، إذ ميّز داخلها بين مستويين كبيرين: أوّلهما: المجتمع المدنيّ بالمعنى المتعارف عليه، وثانيهما: مستوى المجتمع السياسيّ أو الدولة، وكلاهما غير منفصلان وإنّما هما في علاقةٍ جدليّةٍ، تتخذ أشكالًا مختلفةً بحسب طبيعة الصراع وطبيعة السلطة. وبذلك وضع المجتمع المدنيّ مقابل الدولة، وناقش العلاقة بينهما، كما ناقش بُنّية المجتمع المدنيّ، وكذلك الفاعليّة لمنظمات المجتمع المدنيّ.
فالمجتمع المدنيّ لديه هو هذا التركيب المتشابك والمعقد والمتسع الذي يلتقي فيه نسيجٌ متداخلٌ من التنظيمات الأيديولوجيا[3]، ويتحددُ بثنائيّة العلاقةِ مع الدولةِ بوصفهِ أداةَ سيطرةٍ واحتواء، والمجتمع بما يحويه من إرادة تحرّرٍ، واختلافٍ، وتعدّدٍ، واستقلالٍ.[4]بالمختصر حدّد غرامشي الفرق بين المجتمع السياسيّ والمجتمع المدنيّ في كون الأوّل مجال الإكراه، فيما المجتمع المدنيّ هو مجال للهيمنة المضّادة التي تمارسها السلطة.
ويشير غرامشي إلى أن العامل الحاسم في إنجاح أو إفشال الحراك الاجتماعي على المدى الاستراتيجي، هو الشرط الذاتيّ المتمثل في صنع ذاتية مجتمع المواطنين الأحرار من خلالِ المجتمع المدنيّ والمنظمات المستقلة، وبدون ذلك لن يكون ممكنًا للتغيير في المجتمع أن يحصل، بل بدلاً من ذلك ستظهر مروحةٌ واسعةٌ وغايةٌ في التنوع من الأعراض المرضية (أو المسوخ في ترجمات أخرى)، وعبارة غرامشي -بلغته الملغزة تلافيًا للرقيب عندما كان في السجن- هي: “إذا كان القديم قد مات والجديد ليس جاهزًا بعد، سيكون لدينا أعراض غاية في التنوع”. مفهوم الأعراض سيكون دلاليًّا ومحوريًّا ويُستعاد في سياق حراكات الربيع العربي في عمل جلبير أشقر: انتكاسة الانتفاضات العربية- أعراض مرضية، حيث يرى أن انتشار الأصولية والعودة الدموية للحكم العسكري والنظام القديم في دول مثل ليبيا ومصر وسوريا واليمن، من حيث هي الأعراض الغرامشية، الناتجة عن عدم وجود المجتمع المدنيّ، المؤهّل لخلق الوحدة الاجتماعية بين النشطاء السياسيين والمثقفين وبين جمهرة المواطنين ضمن إطارٍ من الحريات المدنيّة، بما يسمح للمجتمع المدنيّ بخوض حرب مواقع على المدى الطويل ضد الهيمنة الأيديولوجية للأفكار التي يروج لها النظام السياسي للدولة، ونشر القيم التّقدميّة والإنسانيّة”.[5]
طوّر لويس ألتوسير[6](1918-1990) مفهوم الأيديولوجيا لدى غرامشي، مستلهمًا النضالية الكامنة والخصوبة النظرية للمفهوم، ولكن بالبناء على النتائج السياسية للتحليل النفسي عند فرويد، مؤسسًا لفهمِ تأثير الايديولوجيا على اللاوعي الفردي، وكيف يتمفصل مع الأجهزة الأيديولوجية للدولة كالمدرسة والسجن والكنيسة… إلخ.
وتَركّزَ عمله في جانبه المتعلق بالنظرية السياسية، على مسألة ما يفصل بين الوعي المطابق للواقع (الذي تجده عند المشتغلين بالثقافة)، والوعي الموجود عند كثيرٍ من عامةِ المواطنين، الذي تغلب عليه المبالغات وعدم الواقعية، والتأثرُ بالخطابات السياسية، والتبعية للأيدولوجيات المهيمنة، أي مسألة التمييز بين العلم والأيديولوجيا. يمكن لكثير من الناس، برأي ألتوسير، حتى لو كانوا غير مشتغلين بالثقافة امتلاك هذا التمييز، ولكنه يشدد على فكرة ليس كلّ الناس تدرك ذلك.
وبالنسبة لألتوسير فالهيمنة المضادة المطلوب أن تحققها أي أيديولوجيا تقدمية، تبدأ من ممارسة التقليد التنويري المتعلق بنشر الوعي بالايديولوجيا أو نشر التمييز بين ما هو (علمي\مطابق للواقع)، وما هو (أيديولوجي\سياسي)، بحيث يتمكن مثلًا الإنسان السوري أو الليبي المتأثر بدعاية الأنظمة أو الحركات المتطرّفة، من إدراك أنه وبينما أنّ المربع مربع والمستطيل مستطيل و1+1=2 فإن مفاهيم مثل الوطن العربيّ أو الأمّة الإسلاميّة أو أنّ الإرادة الإلهيّة تدعم الإرهاب والتمييز بين الناس، وما شابهها من قناعات رائجةٍ ومنتشرةٍ، هي مفاهيمُ ايديولوجية تعكس هيمنةَ أصحاب المصالح الطبقيّة والسلطويّة، على أنماط تفكير المواطنين وخياراتهم.
يمكن القول من الاستعراض الموجز لأفكار كلّ من غرامشي وألتوسير التالي:
- بتأثيرِ أفكارِ ومناقشاتِ غرامشي، فهِمت مجتمعاتُ النشطاء العمل التنظيميّ المستقل عن المنظمات السياسيّة، والأثرَ البعيدَ للمواصلةِ بقوةٍ في العمل المدنيّ على الأرض في المنظمات الحقوقيّة والإنسانيّة، والبعد الأيديولوجي البنّاء لهذه الممارسة.
- قد لا يرى كثيرون في المنظماتِ غير الحكومية وبيروقراطيتها الشديدة وتبعيتها للأجنداتِ الحكوميّة اليوم، مدعاةً للتفاؤل، ولكن الدرس الغرامشيّ يشير إلى أنّ الهيمنة الأيديولوجيّة للمُثُلِ الإنسانيّة تراكمٌ تاريخيّ يتأثرُ بكلّ العوامل القائمة، وأنّ تفاؤل الإرادة المفترض به أن يكمّل تشاؤمَ العقل، هو بالنهاية مسألةُ حربِ المواقعِ تلك، أيّ الرهان على العمل بصورةٍ تدعم الهيمنة المضادة التي يعمل المجتمع المدنيّ على بنائها بالشكل الذي يتيح إمكانية التغيير.
أعادت التجربة البولنديّة في أواخر الثمانينات إحياء المجتمع المدنيّ في أوربا كممارسةٍ عمليّةٍ ضد دكتاتوريّة السلطة، إذا أسهمت جملة الظروف الاقتصاديّة السياسيّة في التحشيدِ من قبل النقاباتِ بمواجهة وحشية السلطة من جهة، وتجاه مطالب بتغيير النظام السياسيّ باتجاهٍ أكثر ديموقراطيّة ومشاركة، وتغير النمط الاقتصاديّ المُتبنى، وهو ما كان.
الثورة البولندية 1988:
بدأ تراجع النظام البولندي مع لحظة بداية ارتكابه ممارسات وحشية لم تكن خاضعة للمساءلة، هو ما تمثل رمزياً في مقتل جريجوز بيرميك الشاعر ذو التسعة عشر ربيعاً، والذي قتلته قوات البوليس بوحشة في عام 1983، والتي مهدت مع أزمات التدهور المستمر في وسائل المعيشة، والصعوبات الاقتصادية والبطالة، والتفاوت ما بين السلطة والشعب، والفجوة بين الأجيال، والرقابة. الى حركة احتجاجية بعد ستة أعوام. حيث أطلقت النقابات العمالية المدعمة بالمفكرين اليساريين الشرارة الاولى في التغيير عام 1988، والتي تعالت أصواتهم بالسخط على الاوضاع في ذلك الحين بالنيابة عن هؤلاء المعدمين.
وبفعل الإضرابات التي اجتاحت بولندا، اضطر الحزب الشيوعي البولندي الحاكم إلى عقد محادثات “المائدة المستديرة” مع قادة حركة “التضامن” العمالية أسفرت عن إجراء انتخابات حرة، وتشكيل أول حكومة غير شيوعية في أوروبا الشرقية، وتحقيق الانتقال السلمي للسلطة والفصل بين فروعها.
(منتدى البدائل العربي، المعهد البولندي للشؤون الدولية، 2018)
كخلاصاتٍ سريعة:
- المجتمع المدنيّ صيرورة فكريّة تاريخيّة تكوّنت عبر أفكار الفلاسفة والمنظرين السياسيين الذين أضافوا للنظريّة السياسية مفهوم الدولة الحديثة، وأيضًا بفضلِ حراكاتِ وثوراتِ الشعوب التي شكّلت اختبارًا عمليًّا لقوة المجتمع المدنيّ كقوةٍ مجتمعيّةٍ في مقابل السلطة، بل يمكن اعتبار هذه الحراكات هي الأساسَ الأوّل في التغيير، وبناءِ النظام والمفاهيمِ الجديدة. فالمجتمع المدنيّ -بحسب بشارة- هو صيرورةٌ فكريّةٌ وتاريخيّةٌ نحو المواطنة والديموقراطية عبر مجموعةٍ من التمايزات في العلاقة بين الفرد والجماعة، وبين المجتمع والدولة.[7]
- يرتبط المجتمع المدني بالدولة بعلاقة جدلية من حيث اسبقية الوجود والتأثير، إلا أنه عملياً يمكن القول إن ظهور المجتمع المدنيّ الذي نعرفه؛ ارتبط ظهوره مع وجود الدولة بمفهومها الحديث القائمِ على التعاقد بين مجموع المواطنين، وهذا يعني أنّ الدولة هي الشرطُ الضروريّ للمجتمع المدنيّ كونها تعطي صفة المواطنة لأفرادها وهي التي تشكل جوهر المجتمع المدني. وبدونها -أي الدولة- يكون الشكل المتخيل على المستوى النظري هو مجتمعٌ يستند إلى العلاقات المولودة (العائلة، القوميّة، الطائفة، الدين) على حساب العلاقات التعاقديّة القائمة على المصلحة. ولعل الأمرَ الأكثر إثارةً والذي يجب أن يشار إليه في هذا السياق إلى أنّه في المجتمعات التي تحكمها أنظمة استبداديّة حيثما يتحوّل دور الدولة من رعاية المجتمع إلى رعاية النخبة الحاكمة، وما يفرضه ذلك من تقييد للحريات، وسحق للحقوق السياسية والمدنية، وتقييد لمساحات عمل المجتمع المدنيّ، يكون الشكل الأبرز لتنظيم علاقات الأفراد في مواجهة تغوّلِ السلطة؛ هو اللجوء إلى البنى التقليديّة، أيّ العلاقات الوشائجيّة المولودة (كالعائلة أو القبيلة، الدين أو الطائفة، أو القوميّة)، بما تشكله من حلقات الأمان الوحيدة المتوافرة للأفراد.
- وبالتالي فإن ثلاثيّة: الدولة كسلطةٍ قهريّة، الفرد كمواطنٍ حرّ، والمجتمع كقوّةٍ تضامنيّة فاعلة، هي ركائز المجتمع المدنيّ الذي يشغل الوسط بينها، ويعمل على خلق مستوى من التوازن؛ بحيث لا يطغى أيٌّ منها على الأخر، وبطبيعة الحال ألا يطغى أيٌّ منهما على حرّيات وحقوق الفرد.
- لذلك تختلف الأدوار التي يضطلع بها المجتمع المدنيّ من مجتمعٍ إلى آخر بحسب مؤشرين اثنين يؤشران إلى درجة تطوّر المجتمع: الأوّل من ناحية مستوى ترسّخ مفهوم المواطنة واقتصاد السوق وقدرة الأخير على إنتاج نفسه خارج الدولة. والعامل الثاني مدى سيطرة العلاقات التعاقدية بين الأفراد، وتفوّقها على الانتماءات الوشائجية[8].
- يحتلّ المجتمع المدنيّ مكان الوسط بين ثالوث (الفرد والجماعة والدولة)، وهذا يعني أنّه لا يقوم بذاته، بل على العكس تماماً؛ فهو يعتمد على هذه الأشكال الثلاثة من الروابط ويتغذى منها بقدر ما يستقل عنها أو يتواجه معها. وبالتالي ليس له أن يدّعي الحلول محلّها أو إلغائها. وبهذا المعنى فإنّ المجتمع المدنيّ يعمل على تشكيل قيمٍ وقوى ومؤسساتٍ وحركاتٍ تحُول دون سيطرة أحد عناصره (أي السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي) عليه، بحيث يكون دومًا أقوى من أيّة سلطة فيه[9].
- المجتمع المدنيّ يشكّل أداةَ إصلاحٍ سياسيّ بدائليّ مضّادٍ للشموليّة، ورديفٍ للمجتمعات المحليّة، فهو من دون دوره السياسيّ وخارج سياق المعركة من أجل الديموقراطية، هو عملية إجهاض للمعنى الذي وجد من أجله تاريخيًّا، وإجهاض لطاقته النقديّة، فضلًا عن نزع قدرته التفسيريّة على فهم البنى الاجتماعيّة والسياسيّة.[10]
- وفي الوقت عينه أهمية المجتمع المدنيّ “لا يمكن اختزالها في الحياة السياسيّة، ولكنّه غنيّ بجميع الأنشطة الاقتصاديّة والدينيّة والثقافيّة.[11]
[1] الهيمنة هي سيطرةُ الطبقةِ الحاكمةِ على المجتمع، وصناعة الأيديولوجيّة السائدة التي تعتبر صالحةً لكل مكان وزمان، وتبرر الوضع الراهن الاجتماعيّ، السياسيّ والاقتصاديّ كأنّه الوضع الطبيعيّ والحتمي.
[2] ميز ماركس بين بنيتين في المجتمع: الأوّلى تحتيّة: تضمّ قوى وعلاقات الإنتاج، تقسيم العمل، وعلاقات الملكية التي يدخلها الناس لإنتاج ضروريات الحياة وكمالياتها. والثانية هي البنية الفوقيّة فهي تشتمل على الثقافة، بنى السلطة السياسيّة، الأدوار الاجتماعيّة، الطقوس، الدولة والمؤسسات. وبحسب ماركس تحدد البنية التحتيّة البنية الفوقيّة، لكن علاقتها ليست سببيّة تمامًا، لأن البنية الفوقيّة غالبًا ما تؤثر على البنية التحتيّة، إلّا أن تأثير البنية التحتيّة هو الأهم.
قدّم ماركس (1818-1883) تعريفه للمجتمع المدنيّ على أنّه “حلبة التنافس الواسعة للمصالح الاقتصاديّة البرجوازيّة، فالمجتمع المدنيّ عنده هو المجتمع البرجوازي، انه فضاء الصراع الطبقيّ، وهو بالتالي الجذر الذي تمخضت عنه الدولة ومؤسساتها المختلفة.
[3] الأيديولوجيا تعني العقلية أو المعتقد، وبالفكر الماركسيّ تحمل الايديولوجيا معنى سلبيًّا بمعنى اللامفكَر فيه أو نظام المعتقدات القادم إلينا من الموروث والمجتمع ونقبله دون أن نخضعه للمحاكمة العقلية.
[4] أماني قنديل. (2008). الموسوعة العربية للمجتمع المدني. ص49.
[5] جلبير أشقر. (2016). انتكاسة الانتفاضة العربية: أعراض مرضية. بيروت: دار الساقي.
[6] – لويس بيير ألتوسير: فيلسوف فرنسي ولد في الجزائر (1918-1990) ويعد من أهم منظري الماركسية في القرن العشرين.
[7] عزمي بشارة. (2012). المجتمع المدني دراسة نقدية، ص8.
[8] عزمي بشارة (2011) محاضرة عن المجتمع المدني في الوطن العربي.
يقصد بالانتماءات الوشائجية: يقصد بها هي الانتماءات ما دون وطنية، أي الانتماء للعشيرة، القبيلة، الدين، الطائفة، القومية.
[9] علي حرب. (2002). العالم ومأزقه منطق الصدام ولغة التداول. الدار البيضاء، المغرب: المركز الثقافي العربي، ص 134.
[10] عزمي بشارة، المجتمع المدني دراسة نقدية، 2012، صفحة 9.
[11] زهير الخويلدي (2020) دولة القانون والمجتمع المدني بين هيجل وماركس.
خامسًا: الحركة النسوية كنموذج للنضال المدني عبر التاريخ
تتنوع الأمثلة عن تراكم التجارب النضالية للمجتمع المدني على المستوى المحلي، وتجاوزها لتصبح قضايا نضال على المستوى العالمي، ليكون المجتمع المدني الحديث ما يشبه منصة عالمية تشاركية عابرة للأزمنة والأماكن، يتم من خلالها خلق القيم الإنسانية العالمية وتعميمها في المجتمعات الإنسانية.
أبرز وأوضح نضال يمكن ذكره والتطرق إليه في هذا السياق؛ هو نضال الحركة النسوية. حيث أدى عدم الاعتراف بحقوق النساء عقب الثورة الفرنسية، إلى خلق مسار نضالي هادف لتحصيل حقوق المواطنة الكاملة للنساء والتي تمتع بها الرجال دونا عنهن. كان أول تجلياتها في الإعلان الذي صاغته الكاتبة المسرحية والناشطة الفرنسية (أوليمب دي غوج) تحت عنوان إعلان حقوق المرأة والمواطن في أوائل عام 1791، والذي جاء معترضا ومحاكياً لاعلان حقوق الانسان المواطن، وتم صياغة مادته الاولى “تولد المرأة حرة وتظل متساوية مع الرجل في الحقوق. ولا يجوز أن تقوم الفروق الاجتماعية إلا على المنفعة العامة“[1]. ولعل هذه الاعلان كان من ضمن ارهاصات ما تم تسميته لاحقا الموجة الاولى للنسوية، التي عقدت أول مؤتمر لها في نيويورك عام 1848، وكان هنالك سعي للاعتراف بحق المرأة بالتصويت والانتخاب، الأمر الذي أدى إلى تتابع الاعتراف بالحقوق السياسية للمرأة في الدول تدريجياً. أما في الموجة النسوية الثانية مع مطلع الستينات، فقد تركز النضال على المساواة ومناهضة التمييز وتحرير المرأة من التنميط في أدوار هامشية. وفي مطلع التسعينات بدأت الموجة النسوية الثالثة لكن هذه المرة في إطار الاعتراف بحقوق المرأة دون أي نوع من أنواع التمييز سواءا كان على لون البشرة أو العرق أو الدين أو الطبقة الاجتماعية.
بفعل هذا الضغط والنضال المستمر والمتواصل تحولت المطالبات النسوية إلى جملة من القوانين والمبادئ على المستويين الوطني والعالمي، والتي أصبحت فيما بعد أهم مقاييس تحضر وتقدم الدول، خاصة بعد تبنيه من قبل الأمم المتحدة وتحويله لمسار عمل متكامل، حيث جاء في المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة في المقاصد: “تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء”. وفي العام الأول للأمم المتحدة، أنشأ المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجنة وضع المرأة، بصفتها الهيئة العالمية الرئيسية لصنع السياسات المتعلقة حصرا بتحقيق المساواة بين الجنسين والنهوض بالمرأة. وكان ومن أوائل أنجازاتها هو ضمان لغة محايدة بين الجنسين في مشروع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وعندما بدأت الحركة النسائية الدولية تكتسب زخما خلال السبعينات، أعلنت الجمعية العامة عام (1975) السنة الدولية للمرأة، ونظمت المؤتمر العالمي الأول المعني بالمرأة، الذي عقد في المكسيك. وفي وقت لاحق، أعلنت السنوات (1976-1985) بوصفها عقد الأمم المتحدة للمرأة، وأنشأت صندوق التبرعات للعقد.
في عام 1979، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، التي غالبا ما توصف بأنها الشرعة الدولية لحقوق المرأة. وتحدد الاتفاقية، في موادها الثلاثين، صراحة التمييز ضد المرأة وتضع برنامجا للعمل الوطني لإنهاء هذا التمييز. وتستهدف الاتفاقية الثقافة والتقاليد بوصفها قوى مؤثرة في تشكيل الأدوار بين الجنسين والعلاقات الأسرية، وهي أول معاهدة لحقوق الانسان التي تؤكد على الحقوق الإنجابية للمرأة.
وبعد خمس سنوات من مؤتمر المكسيك، تم عقد المؤتمر العالمي الثاني المعني بالمرأة في كوبنهاغن في عام 1980. ودعا برنامج العمل الذي خرج به المؤتمر إلى اتخاذ تدابير وطنية أقوى لضمان ملكية المرأة على ممتلكاتها وسيطرتها عليه، فضلا عن إدخال تحسينات في مجال حقوق المرأة فيما يتعلق بالميراث وحضانة الأطفال وفقدان الجنسية.[2]
وفي عام 2000 تم اعتماد القرار 1325 حول المرأة والسلام والأمن بالإجماع من قبل مجلس الامن وتعد هذه المرة الأولى التي يقوم فيها مجلس الأمن بمواجهة التأثير غير المتناسب والفريد من نوعه للنزاعات المسلحة على المرأة، وكذلك اﻻعتراف بمدى تجاهل مساهمات المرأة في حل النزاعات وبناء السلام. حيث شدد القرار على أهمية مشاركة المرأة على قدم المساواة وبشكل كامل كعنصر فاعل في إحلال السلام والأمن. ويعد القرار 1325 هو قرار ملزم للأمم المتحدة وجميع الدول الأعضاء فيها، كما يشجع الدول الأعضاء على إعداد خطة عمل وطنية (NAP) خاصة بها لتفعيله على المستوى الوطنى.، ولعل أهم النقاط الرئيسية التي تمت صياغة القرار على أساسها هي (المشاركة، الحماية، والوقاية) للمرأة في النزاعات المسلحة.
يوضح العرض السابق واحد من الأمثلة العملية لنضالات المجتمع المدني، ويُبرز واحدة من أهم الأدوار المنوط به القيام بها في المجتمع، وهو النضال لأجل الحقوق والمطالبة بالمساوة، كما أنه يوضح أن النضال من اجل الحقوق هي قضية عالمية لا تقتصر على مجتمع دون أخر.
[1] stringfixer (د.ت.) إعلان حقوق المرأة والمواطنه.
[2] الامم المتحدة (د.ت.) المساواة بين الجنسين.
سادسًا: قضايا إشكاليّة في المجتمع المدنيّ المعاصر
يمكن تلخيص اهم القضايا الإشكالية في المجتمع المدني في الدول النامية عموما، وفي سوريا على وجه خاص بعدة جوانب نذكر من أهمها:
- المجتمع المدنيّ المفهوم والدور، والنخبة المدنيّة:
- ضبابية المفهوم والدور: بفعل الأدوار المتغيّرة التي يشغلها المجتمع المدنيّ، تبعًا للظرف السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتبعًا لطبيعة المجتمع الذي يعمل به، جعل منه مفهوماً مثيرا للالتباس لأنه أصبح يعني كلّ الأشياء لكلّ الاشخاص، أيّ أنه أصبح إطارًا فضفاضًا يتسع للشيئ ونقيضه، إذ يُستعمل مرةً ضدّ المجتمع الأهليّ وأخرى معه، أو يستعمل مرّة ضدّ السلطة وأخرى معها. ولعل هذا التغير يعبّر فعليًا عن طبيعة وجوده أساسًا في المجتمعات؛ في إطار إحداث التوازن داخل المجتمع ضمن دوره الرئيسي في حماية حريّة وحقوق الفرد؛ بمعنى أننا نجده تارةً يميل إلى المجتمع الأهلي عندما تحاول الدولة ابتلاع المجتمع المدنيّ كما في الدول الاستبدادية والأنظمة الشمولية، أو أنّه يميل إلى الدولة في حال طغيان المجتمع الأهلي على الفرد، كما يحصل أحيانًا في بلد كلبنان يعاني من ضعفِ الدولة تِجاه الطوائف.[1]هذه الضبابية في تحديد مفهوم المجتمع المدنيّ يخلق إشكالاتٍ متعلقةٍ بالممارسةِ المفترضة في حال لم تكن النخبة المدنيّة على وعيٍّ بالدور التاريخي المنوط بها في مجتمعاتها.
- أزمة النخبة المدنيّة: لطالما كانت إحدى أهمّ المشكلات التي تعتري المجتمع المدنيّ كمساحةٍ رائدةٍ، هي النخبةُ المدنية إن صحّ وصفها، والتي تنبثق بالدرجةِ الأولى من ضعف الفهم العميق لجوهر الدور أو الأدوار التي يجب أن يلعبها المجتمع المدني بحسب الظروف القائمة. وهذا يُفهم في سياقين، الأوّل هو الأنظمة السلطوية التي ضيّقت هامشَ الفضاءِ العام التداولي في المجتمع بالقوةِ، ما ترتب عليه من إفتقار المجتمع المدنيّ إلى الممارسة العملية لأبسط حقوقه في الاجتماع والتداول حول القضايا التي تهمّه، ولعل ممارسات الدولِ الدكتاتورية لم تقف عند هذا الحدّ فقط، وإنما تعدّتها لتزييف الوعي عبر دعاية ممنهجة ترسّخ أفكار العمالة للخارج والخيانة لكلِّ من يعمل في المجتمع المدنيّ، إلى جانب خلق سلسلة من التنظيمات والاتحادات التابعة لها كإطارٍ مقبول لها يعمل على استيعاب الأفراد وتكييفهم تحت سقف السلطة.
أمّا السياق الثاني هو سوق التمويل العالمي للمنظمات غير الحكومية لدول العالم الثالث المتعثرة تنمويًّا، والتي أبرزت القطاع المدنيّ كقطاعٍ للعملِ أكثرَ منه قطاعًا لحماية الحقوق والحريات الفرديّة، وهذا الأمر إن ترافق مع الضعف في فهم الدور الحقيقي للمجتمع المدنيّ سوف يسهم في التفريغ شبه التام لمضمون المجتمع المدنيّ كقوّة نقديّة محركةٍ للمجتمع، وتصبح المنظمات المدنيّة منفذًا أعمى لأنشطةٍ ومشاريعَ قد لا تسمن ولا تغني من جوع.
هذا الإطار يطرح علي حرب تساؤلًا مفاده: “هل ما زال المثقفون يملكون المصداقية لكي يقودوا الناس نحو بناء المجتمع المدنيّ، التجربة تثبت أنهم يطرحون شعارات لا يقدرون عليها أو يعملون على انتهاكها. وبذلك همْ لا يختلفون عن الأنظمة التي يطالبونها، كما لاحظ ذلك البرازيلي ماركوس أحد قادة حركات التحرّر، وهكذا يشعر المرء بأن دعاة المجتمع المدنيّ يدافعون عن شعارهم بنصب المتاريس وإثارة الحواجز فهذا هو المسكوت عنه في كلامهم، وهذا هو اللاشعور المعرفي في انتقاداتهم، أنهم يتحدثون عن المجتمع المدنيّ وكأنهم يملكون مفاتيح الحقيقة والسعادة. وهذا يقود إلى أن يصبح شعار المجتمع المدنيّ لا صدى له ولا رنين بين الشباب أو وسط شرائح المجتمع؛ فهو لم يعد النموذج الذي يشرح ويفسر أو يعبئ ويحرك. وهو ما يحدث في سوريا ولبنان، فالشعار يدور في أوساط النخب ولا يحرك قوى على ساحة المجتمع أو في هوامشه مما يجعل منه عملةً رمزيةً غير رائجة، وذلك وجه من وجوه المأزق.[2]
- ضبابية المفهوم والدور: بفعل الأدوار المتغيّرة التي يشغلها المجتمع المدنيّ، تبعًا للظرف السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتبعًا لطبيعة المجتمع الذي يعمل به، جعل منه مفهوماً مثيرا للالتباس لأنه أصبح يعني كلّ الأشياء لكلّ الاشخاص، أيّ أنه أصبح إطارًا فضفاضًا يتسع للشيئ ونقيضه، إذ يُستعمل مرةً ضدّ المجتمع الأهليّ وأخرى معه، أو يستعمل مرّة ضدّ السلطة وأخرى معها. ولعل هذا التغير يعبّر فعليًا عن طبيعة وجوده أساسًا في المجتمعات؛ في إطار إحداث التوازن داخل المجتمع ضمن دوره الرئيسي في حماية حريّة وحقوق الفرد؛ بمعنى أننا نجده تارةً يميل إلى المجتمع الأهلي عندما تحاول الدولة ابتلاع المجتمع المدنيّ كما في الدول الاستبدادية والأنظمة الشمولية، أو أنّه يميل إلى الدولة في حال طغيان المجتمع الأهلي على الفرد، كما يحصل أحيانًا في بلد كلبنان يعاني من ضعفِ الدولة تِجاه الطوائف.[1]هذه الضبابية في تحديد مفهوم المجتمع المدنيّ يخلق إشكالاتٍ متعلقةٍ بالممارسةِ المفترضة في حال لم تكن النخبة المدنيّة على وعيٍّ بالدور التاريخي المنوط بها في مجتمعاتها.
- المجتمع المدنيّ والمجتمع الأهليّ:
المجتمع الأهليّ لغةً يحيل إلى الأهل أي إلى العائلة والعشيرة، والمذهب، والحيّ، والحارة. فهيئات المجتمع الأهليّ هي المجالس والجمعيات العشائرية والقبلية والعائلية والمذهبية ومجالس الأحياء ومشايخ ووجهاء الحارات. ومن أهمّ الأمثلة على المجتمع الأهليّ هو ما يورده (حنا بطاطو) في كتابه تاريخ العراق بأنها مجالس الأحياء التي كانت لا تزال سائدةً في المدن العراقية حتى أوائل القرن العشرين، ويضرب مثلًا على ذلك مدينة النجف ويقول إنها كانت في عام 1915 تتألف من أربع أحياء ولكل حيّ دستوره ومجلسه ونظام علاقاته مع الأحياء الأخرى في المدينة. فالمجتمع الأهليّ بدون شك كان يلعب دورًا إيجابيًا وعاملَ توازن يسهم في حماية الرعيّة في إطاره المحدود إزاء ظلم وتعسف واستبداد الدولة العثمانية.[3]
أما المجتمع المدنيّ فعلى النقيض من ذلك هو مجتمعُ الأفراد المواطنين بصفتهم المواطنية، القادرين على الدخول فيما بينهم بعلاقاتٍ تعاقديّةٍ قائمةٍ على مصلحةٍ سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. والهدف هو الصالح العام للمجتمع، بما هو تجاوز لانتماءاتهم الأهلية الأولية. وهذا يعني أن الشرط الأول للمجتمع المدنيّ هو وجود الدولة التي تعطي صفة المواطنة لأفرادها، وتعمل على حماية حرياتهم وحقوقهم ومصالحهم، وتصبح العلاقة الأقوى داخل المجتمع هي علاقة فرد مواطن بالدولة.
تتبدى الأزمة في المجتمعات العربية -بالرغم من وجود الدولة الحديثة (كهياكل ومؤسسات) – في السلطة الاستبدادية، المتوغلةِ لدرجةِ التماهي مع مؤسسات الدولة، لتصبح الدولة -محتكر القوة والعنف الوحيد- إلى أداة قمع للحريات ولكلّ ما لا يسر خاطر السلطة، وتتحول إلى ما يشبه الغول الذي يخيف المجتمع (مجازًا)، وهو ما يدفع الأفراد إلى الإحتماء منها، عبر تفعيل العلاقات الوشائجية الموروثة كالعشيرة والعائلة والطائفة في مواجهة هذا التغول.
في هذه المجتمعات يواجه المجتمع المدنيّ تحدّياتٍ جمّة من ناحيتين؛ الأوّلى: من ناحية مواجهته للسلطة الاستبدادية حتى بناء دولة المواطنين. والثانية مواجهة البنى التقليدية للمجتمع التي سوف تمنع بالمقابل بناء دولة المواطنة؛ كون ذلك سوف يضعف من سلطتها لصالح حريّات وحقوق الأفراد المواطنين.
ويجدر التأكيد هنا إلى أن المجتمع المدنيّ هو ليس مناهضًا للمجتمع الأهلي، بل هو يشترك ويتقاطع معه في الكثير من الأمور، فالعاملين في المجتمع المدنيّ هم بالأصل أعضاءٌ في جماعات أهلية، لكن الأساس في عمل المجتمع المدنيّ هو نقل المجتمع من مستوى بناء العلاقات على أساسٍ تقليدي إلى علاقات على أساسٍ مواطني، بما يخدم التنوع القائم أساسًا في إطار الدولة الحديثة، وبما هو حفظ لحريات وحقوق الأفراد المواطنين. - المجتمع المدنيّ وعلاقته بالسياسة والديموقراطية والسلطة:
- المجتمع المدنيّ والسياسة:
جوهر العمل المدنيّ هو سياساتي بالضرورة، فالمجتمع المدنيّ يمارس السياسية لإحداث التوازن كما أسلفنا ذكره، عبر الحشد والتنظيم والمطالبات والاحتجاجات والثورات؛ وهي كلّها أفعالٌ سياسيّة؛ لكن ما يميزها أن هدفها هو الصالح العام، وأي عمل مدنيّ خارج إطار العمل السياسي هو عمل مفرّغ من مضمونه الحقيقي. فالمجتمع المدنيّ بكافة أشكاله التنظيمية، بمثابة مشاركٍ في تأطير مسائل السياسة العامة وسجالاتها، لذلك يجب أن يتمتع بحقّ التعبير بحريّة بكل ما يتعلق بالشؤون ذات الأهمية العامة بما في ذلك التشريع أو ممارسات الدولة وسياساتها. وعلى نحو مماثل، يجب أن يتمتع بحقّ انتقاد المسؤولين الحكوميين والمرشحين لتولي المسؤوليات العامة (أو بحقّ إطرائهم) ولا يجوز أن يكون هنالك أي قيود على الحقّ في ممارسة الأنشطة السياسية العامة، كالتعليم والبحث والمدافعة ونشر المواقف.[4]
وفي نفس السياق إن طرح مفهوم المجتمع المدنيّ بمفهومه “المتأخر” في المجتمعات التي لم تقم فيها النظرية السياسية على اعتبار المجتمع تعاقد بين مواطنين أحرار وبين الدولة كنتاجٍ لهذا التعاقد وخاضعة له، قد يعني عمليًا هروبًا من المعركة السياسية لدمقرطة الدولةِ إلى مؤسساتٍ غير حكومية تهدف إلى الاستقلال عن الحكومة، كأنها تعيش في دولة ديمقراطية بدلًا من الصراع مع الحكومة من أجل الديمقراطية[5]. - المجتمع المدنيّ والديموقراطية:
الديموقراطية باعتبارها أرقى أشكال الحكم الذي توصّلت إليه المجتمعات البشرية، وباعتبارها نتاجًا لنضالات الشعوبِ التي ثارت وطالبت فيما طالبته بأنظمة حكم تستند في شرعيتها إلى الشعوب، وتضمن مشاركة سياسية أوسع، وهذا ما يبيّنه العرض التاريخي في الجزء الأوّل من هذا الدليل. إذ أنّ هذه الثوراتِ أنهت النُّظمَ السياسية القديمة الحاكمة، وأنتّجت مفهومَ الدولة الحديثة في القرن السابع عشر، وأبرزت المجتمع كقوةِ فاعلة له رأيه ومطالبه في مواجهة السلطة، ومن هنا نتج مفهوم المجتمع المدنيّ “مجتمع المواطنين الأحرار”. بكونه “صيرورة نحو الديموقراطية” كخطوةٍ أولى، وهو الحامي لها بعد تشييدها كخطوةٍ لاحقةٍ، فهو -أي المجتمع المدنيّ- في علاقة عضوية وتشابكية مع الديموقراطية، يسعى إليها، ومن ثم يعمل على حمايتها وتطويرها واستدامتها.
وبالرغم من أن نشوء الديمقراطية يفترض نظريًّا وجودًا مسبقًا وعملًا جيليًّا متصلًا للمجتمع المدنيّ، لإنجاز المهمة الثورية الاستراتيجية المتمثلة في بناء قطبٍ تقدميّ في المجتمع، يحمي الحريات العامة ويكرسها، كما ينجز إجرائيًّا مقدماتِ التحوّل الديمقراطي عبر رعاية ومواكبة العملية السياسية، إمّا بتكريس ثقافة الرأي الحرّ عبر الممارسات الديمقراطية في المنظمات أو عبر المراقبة، أو رعاية الانتقال الديمقراطي مباشرة في بعض الأحيان كما حصل في تونس عندما قادت الرباعية (المؤلفة من أكبر أربع تنظيمات نقابية ومدنية) الحوار الوطني بين الأطراف السياسية بعد استعصاء سياسيّ. إلّا أنّ ذلك لا يعد شرطًا لنشوء الديموقراطية، فالمجتمع المدنيّ هو نتاج للديموقراطية وليس قاعدتها، واعتباره كشرطٍ مسبقٍ لتحقيق الديموقراطية في المجتمعات يعدّ إرباكًا وخلطًا للمفاهيم.[6]
فتطوّرُ المجتمع المدنيّ كقطبٍ مستقل في سياساته وأنشطته، حدث بالتماهي مع تاريخ تطوّر الديمقراطيات الغربية والدساتير العلمانية التي تقرّ للفرد بحرياته الأساسية. هكذا، فإن المجتمع المدنيّ من هذا المنظور يشكّل أداةَ إصلاحٍ سياسي بدائلي مضاد للشمولية، ورديفٍ للمجتمعات المحلية يدعم الاستقلال واللامركزية، ويقوم بجهودَ على صعيد الإغاثة الإنسانية في حالات الحروب والكوارث. - المجتمع المدني والسلطة:
الأهمية المتزايدة للمجتمع المدنيّ كطرفٍ فاعل ويعتدّ به في التنمية، جعل منه شريكًا في تنفيذ أجندات التنمية الشاملة الممولة دوليًا ومن جانب حكومات الدول الكبرى. وهو ما لم يرق للحكومات في دول العالم الثالث التي نظرت إلى المجتمع المدنيّ بتوجّس واعتبرته حصان طروادة وأداةً للاستعمار والهيمنة غير المباشرة، ما جعلها تناصبه العداء كما في السجال الذي دار في مصر بُعيد الثورة المصرية على خلفية التمويلات الأمريكية لمنظمات المجتمع المدنيّ المصرية في عام 2011 حيث رفضت القاهرة إشراك ممثلينَ عن المجتمع المدنيّ والقطاع الخاص في إدارة صندوق المساعدات الأميركية.[7]
ولعل مسألة الحصولِ على التمويل ليست هي العاملَ الوحيد في هذا العداء، وإنّما الدور السياساتي الذي يُفترض أن يضطلع به المجتمع المدنيّ، في المساءلة والمراقبة ومكافحة الفساد، إلى جانب السعي لتحقيق أنظمةٍ أكثرَ عدالةً وتمثيلاً؛ وهي كلها مساحات لا تسمح الأنظمة السلطوية في وجودها بشكل حرّ، لأن ذلك يهدد سلطتها “منقوصة الشرعية”، حيث تسعى بكل الوسائل الممكنة إلى محاربة وجود الحيز المدنيّ، والذي وصل في بعض الدول؛ كما في سورية إلى محاربة حتى تداول مصطلح “مجتمع مدنيّ”، حيث حرصت في جميع الأدبيات والقوانين إلى تفادي ذكرها في بادئ الأمر، حيث لطالما استبدلتها بمصطلح المجتمع الأهليّ، والجمعيات الأهلية. ومع الاهتمام الدولي المتزايد بالمجتمع المدنيّ بدلت استراتيجيتها واعتمادت أسلوب خلقِ جملة كبيرة من المنظمات وإلحاقها بالسلطة لتكون أداةَ السلطةِ في مخاطبة المجتمع الدوليّ من جهة، وأداةَ تزييفٍ لإرادة المجتمع من جهة ثانية، وهذه المنظمات غالبًا ما تكون مستقلة (شكلًا) عن السلطة وتوجهاتها، وملحقةً بها (مضمونًا وجوهرًا).
ومن الناحية الأخرى لا يجب أن نغفل عن ذكر مثال مهم عن علاقة المجتمع المدنيّ بالسلطة في الشرق الأوسط، وهو المثال التونسي، حيث بالرغم من محاولات السلطة السيطرة على المجتمع المدنيّ إلا أنّها لم تستطع القضاء تمامًا على استقلالية النقابات والاتحادات والجمعيات، ولذلك كنا نرى بين فترة وأخرى انتفاضة تحدث: ثورة الخبز في تونس العاصمة في أواسط الثمانينات، الاحتجاجات على رفع سعر السميد قبل شهر رمضان، وأكبر هذه الاحتجاجات انفجرت في 17ديسمبر 2010 من مدينة سيدي بو زيد بعد أن أضرم بائع الخضار المتجول الخريج الجامعي محمد بوعزيزي النار في نفسه، وكانت هذه الحادثة شرارةَ ثورةٍ عارمةٍ عمّت تونس أودت بحقبةِ زين العابدين بن علي الاستبدادية[8].
- المجتمع المدنيّ والسياسة:
الرباعية التونسية ورعاية الحوار الوطني:
حصلت الرباعية التونسية الراعية للحوار على جائزة نوبل للسلام 2015 والتي تشكلت الرباعية من أربعة منظمات: الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والهيئة الوطنية للمحامين التونسيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، في صيف 2013، بينما كانت عملية الانتقال إلى الديمقراطية تواجه مخاطر نتيجة اغتيالات سياسية واضطرابات اجتماعية على نطاق واسع. قادت هذه الرباعية وساطة، وقامت بتنظيم “حوار وطني” طويل وصعب بين الإسلاميين ومعارضيهم وحملتهم على التوافق لتجاوز شلل المؤسسات. وبحسب لجنة نوبل للسلام أطلقت الرباعية عملية سياسية بديلة وسلمية في وقت كانت فيه البلاد على شفير حرب أهلية”. ووصفت هذه الوساطة بأنها كانت “حيوية” وأتاحت لتونس الغارقة في الفوضى “إقامة نظام حكم دستوري يضمن الحقوق الأساسية لجميع السكان بدون شروط تتصل بالجنس والأفكار السياسية والمعتقد الديني”.
(DW، 2015)
[1] علي حرب. (2002). العالم ومأزقه منطق الصدام ولغة التداول، ص 132.
[2] علي حرب. (2002). العالم ومأزقه منطق الصدام ولغة التداول، ص 143
[3] نقولا زهر. (23 01, 2011). هل من فرق بين المجتمع المدني والمجتمع الأهلي؟ تم الاسترداد من الحوار المتمدن
[4] يون إي. آيريش، روبرت كوشين، كارلا دبليو. سايمون. (1997). دليل القوانين المؤثرة في منظمات المجتمع المدني. تم الاسترداد من دليل القوانين المؤثرة في منظمات المجتمع المدني، ص 59.
[5] عزمي بشارة (2012). المجتمع المدني دراسة نقدية، ص 67.
[6] عزمي بشارة (2012). المجتمع المدني دراسة نقدية، ص 66.
[7] – اعتبرت واشنطن «تخوين» المنظمات الممولة أميركيا «تصعيدا غير مبرر». وفي نفس السياق نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز في تعليق لها أن جهود الولايات المستمرة لتعزيز الإصلاحات الديمقراطية في مصر «ينظر إليها بشكل خاطئ». وأشارت إلى أن المجلس العسكري صور الجماعات التي تحصل على التمويل الأميركي وكأنها تعمل لحساب حكومة أجنبية. وذكرت أن المجلس خاض معركة وراء الكواليس عدة شهور، لمنع واشنطن من إعطاء الأموال إلى الجماعات المؤيدة للديمقراطية خارج نطاق الإشراف المباشر للحكومة المصرية. (هويدي، 15)
[8] نقولا زهر. (23 01, 2011). هل من فرق بين المجتمع المدني والمجتمع الأهلي؟ تم الاسترداد من الحوار المتمدن.